محمد آل الشيخ
يمرّ الآن حزب الله اللبناني، ومعه داعموه، داخل لبنان وخارجه، بحصار يضيق عليه يوماً بعد يوم، فلا يجد أقطابه وكذلك مناصروه مهرباً من الحصار إلا الشتم والصياح والنهيق نتيجة لهذا الحصار السياسي المحكم الذي فاجأهم في عقر دارهم على حين غرة، الأمر الذي يؤكد ما كنا نقوله ونكرره، أن المواجهة والتحدي وتفعيل قواك الدبلوماسية والإعلامية أولاً ومن ثم الاقتصادية، ستجعل مناوئيك يحسبون لردة فعلك ألف حساب، قبل أي تصرف يستفزك ويستدعي موقفاً صارماً وحازماً منك.
حرب اليمن مثلاً، والتي أنتجها تحالف الحوثيين وصالح مع الإيرانيين، أكاد أجزم أنها ماكانت لتكون، لولا أن المتحالفين الثلاثة في الانقلاب اليمني كانوا مطمئنين إلى أن المملكة ستلجأ إلى مفاوضتهم لا مواجهتهم بالقوة، ومن ثم الرضوخ في النهاية للأمر الواقع؛ وليس لديّ أدنى شك أن هذا السيناريو كان المتوقع، وهو الدافع لهم والمشجع لانقلابهم على الشرعية اليمنية فلو كانوا يتوقعون ردة الفعل هذه من المملكة ومعها التحالف العربي، لأذعنوا للحوار مع الفرقاء اليمنين منذ البداية.
إيران، وعميلهم، أو رأس حربتهم في لبنان، (حزب الله)، كانوا يتصرفون، وينطلقون، من أنهم القوة التي لا تواجه، والفارس الذي لا يُشق له غبار، ولا يجرؤ أحد على تحدي إرهابه، وإرهاب أسلحته، لذلك تجرأوا على فرض هيمنتهم على لبنان، وترتيب المخططات، واستقطاب المناصرين، والعملاء، للتمهيد للتوسع الإيراني في المنطقة، وكأنهم كانوا على ثقة أن المملكة ودول الخليج سيتحاشون المواجهة والصدام معهم، عسكرياً ودبلوماسياً؛ وعندما قامت المملكة ودول الخليج بتفعيل قوتها الدبلوماسية، ومواجهتهم في المحافل الدولية والعربية، ما أدى إلى (تجريم) حزب الله، واعتباره حركة (إرهابية)، أسقط في أيديهم، ولم يجدوا إلا اللجوء للشارع العربي بالشعارات والجعجعة، لتحريضه ضد المملكة والمنظومة الخليجية، موظفين ذريعة (مقاومة إسرائيل) كحجة لتخليصهم من المأزق الذي أوقعتهم الدبلوماسية الخليجية فيه، غير أنهم نسوا أن حزبهم، ومعه ذريعة المقاومة، انكشف وسقطت ذريعته، في اللحظة التي وجهوا فيها فوهات بنادقهم ليس لإسرائيل ومقاومتها كما كانوا يزعمون، وأنما إلى جيرانهم (السوريين)، يناصرون طاغية سوريا، الذي يقذف شعبه بقذائف الكيماوي والبراميل المتفجرة.
حسن نصر الله، أو (بطل الهدير والجعجعة)، اتضح أنه، وكذلك أسياده الفرس الصفويون، أضعف مما كان مناصروهم قبل مناوئيهم يتوقعون، فهم -على ما يبدو- ومعهم الحرس الثوري الإيراني أيضاً كذبوا الكذبة وصدقوها، فهزائمهم المتوالية في سوريا أمام مجرد ميليشيات غير مدربة، وبإمكانات متدنية التقنية، كشفتهم وعرتهم، كما انكشف أيضاً جيش النظام الأسدي؛ فلولا أن (روسيا) مدت لهم يد العون والمساندة، وأنقذتهم من حبائل الثورة السورية والشعب الثائر، لكان الأسد وميلشيات الحرس الثوري الإيراني ومعهما حزب الله في خبر كان؛ أي أن الحزب (الكهنوتي) في لبنان، كان مجرد نمراً من ورق.
هذه التراكمات كشفت قوة وهيبة حزب الله المزعومة، وكان الأجدر به أن يعود إلى حقيقته، ولا يمعن في عربدته وعنترياته، إلا أنه استمر في ممارساته غير المدروسة وغير الحصيفة، فتكالب عليه العرب، وليس الخليجيين فحسب، ووضعوه في الخانة التي تليق به كعميل حقير للفرس، يوجهونه، ويرمون به هنا مرة والأخرى هناك. والمنطق والعقلانية تقول: إذا كان أسيادك -يا ملا حسن- في هذا التواضع عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فمن الحمق أن تستمر في إمعانك بالتحدي؛ وقديما قيل: (رحم الله من عرف قدر نفسه).
ولا أظن، أن التصعيد العربي والخليجي سينتهي ويتوقف عند التجريم الذي تم تصنيفه به مؤخراً، إن لم يعد قادة الحزب إلى رشدهم، ويرعوون؛ وإلا فمقتضيات المواجهة والتصعيد ستذهب إلى أكثر من ذلك، ما يضع حكومة لبنان، التي هو عضو فيها، ويوجه سياساتها، مُرشحة وبقوة لأن تدفع الثمن اقتصادياً؛ خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن اقتصاد لبنان مرتبط ارتباطاً قوياً بمحيطه العربي، والخليجي خاصة، ومثل هذه الممارسات لا بد وأن تنعكس سلبيا على الاقتصاد اللبناني بشكل مُدمر، فكل المؤشرات الاقتصادية، فيما لو تمت أية مقاطعة للبنان، تنذر بكارثة اقتصادية، لن يعوضها الإيرانيون، حلفاء حزب الله، ما يجعل النقمة الشعبية اللبنانية على الحزب وسياساته وجعجعات أمينه العام تتفاقم، وهو ما سيؤدي بقدرة الحزب على المناورة السياسية إلى الاضمحلال والمحدودية؛ فالاقتصاد في كل زمان ومكان يحكم السياسة، وليس العكس، فكيف تستطيع إيران أن تقدم بديلاً لخسائر لبنان الاقتصادية إذا ما افترضنا أنها ستعوض الحزب الكهنوتي وأمينه العام المعمم ما سيفقده الاقتصاد اللبناني من مليارت الدولارات؟.. فهل يستيقظ عقلاء لبنان من غفلتهم؟.
إلى اللقاء،،،