د. خيرية السقاف
تمضي في طريقك وخلفك هي تجر ذيل خيبتها،
والصغير بائس الوجه، رث الثوب، فاغر الفم على كتفها..
تلسعه الشمس، يلفحه الهواء، يعفره الغبار..
دواليب العربات تتراكض وهي بالكاد تلحق نافذة، وأخرى، فلا يقف لها أحد..!
وحين توقفها إشارة حمراء هذه العربات، تلمح في قدميها فرحة أن ستلحق ببضع ريالات سيدسها الراكبون في يدها..!
لكن يحدث أن يشرع منهم نفر نافذته لا ليدس في يدها نقوداً تتلهف عليها، بل ليسدي إليها كلاماً لا يصل لسمعك..
وأنا واحدة من الذين قالوا لها ولغيرها ربما كما قالوا لها: «ابحثي عن عمل، احمي نفسك من وعثاء الطرق، فهناك جهات تنظم لك احتياجك»..
أقول لها هذا وقلبي يعتصرني بين أن أعطيها، أو احجم عن العطاء, خشية أن تكون واحدة ممن يتزيفون لأغراضهم..!!
لكن ما الذي ستفعله لها بضع ريالات غير أن تبتاع بها رغيفا، أو قارورة ماء، و لبن تسكت به صرير جوف صغيرها..؟
سرعان ما أعود أتذكر أن هناك حقائق رصدتها الأيام بأن صدقات الشوارع تمويلا غير مباشر للإرهاب، وأن غالبية شحاذي الإشارات جاءت منهم نكبات، وأخرى..، وأن من قبل ومن بعد هم مظهر لا يليق بمدن متحضرة..!
فأذهب أقرر مع نفسي بأن مكافحة هذه الشحاذة واجب، ومسؤولية ، وسبق أن كتبت مرارا في الشأن منذ زمن..!
مع أن الحقيقة التي لا يستطيع أن يصل إليها عابرو الطرق هي أن تكون هذه الأجساد المتنقلة تحديدا النساء على كتوفهن رضع، وجوههم تنبئ باحتياجهم أنهم واقعا على درجة من الحاجة، والفاقة الأكيدة، أو أنهم أيقونات متحركة لنوايا خبيئة..؟!
لم تكن هذه الأفكار تطرأ في مراحل حسن النية، وتغليب قيمة التكافل، ومآل الصدقات التي مضت، لكن بعد الذي مر، ويمر في خريطة تحركات مكائد كمائن الفاسدين، فيه ما أعاد صياغة حسن النية بالتفكير، وبترتيبه في خانات الحذر، والواجب، والدور..
ولأن هناك من يحتاج صدقا وواقعا،
ولأن المجتمع لا يزال يكتظ بالفقراء شأن كل مجتمع بشري، فلعل منهم هذه، وتلك، وأولئك ممن يقالوننا عند الإشارات، أو يرتكنون عند زوايا البيوت،
لذا أقترح لمجالس الأحياء، وعمدها، وأمانات المدن أن تقوموا ببادرة ما نحو إحصاء الأسر الفقيرة المعوزة في كل حي، وأن يؤسسوا صناديق خاصة ملحقة بإداراتهم للمساعدة، ليتكاتف، ويتكافل سكان كل حي بصب صدقاتهم، ومعوناتهم، وزكاتهم لتمويلها.
بذلك تنظم الإمدادات المالية لهم في ضوء واضح، ومسلك نظامي، ويجد كل فرد أنه أسهم في الخير للجميع.
بمثل هذه المبادرات تختفي ظاهرة الشحاذة.
ونطمئن جميعنا إلى أن ضمائرنا لن تؤلمنا حين نقفِّي بيد في طريقنا تمتد,
أوبحاجة نحسبها تقوم لأحد ما، ولا نفعل لها شيئا وإن كان يسيرا..
لأن حاجة الوطن للأمن أولى، وأهم.