أحمد محمد الطويان
كيف تتعرف على بلدك وأنت منها وهي فيك.. معرفتها لا تعني تفاصيل شوارعها وأسماء قراها، ولا تعني معرفة لا تتعدى حدود العلم بالشيء. خصوصاً في هذا التوقيت الحرج، وفي خضم أحداث تجدد التحديات.. كثير من السعوديين لا يدركون قوة بلادهم السياسية، ولا يعرفون ما يجعلهم أكثر فخراً وربما أكثر اطمئناناً، وما يجعلهم أيضاً محصنين ضد سهام المحبّطين ومن ينشرون السوداوية.
لذا من الواجب أن لا نركز فقط على الجهد المهم في التعريف بالسعودية خارجياً، لأن هناك جهداً كبيراً لا يقل أهمية، وهو تعريف السعوديين بالسعودية، وهذا لا يتم ولا يتحقق بعمل كلاسيكي، وليس دوراً إعلامياً فقط، هو شراكة بين جهات عدة لتحقيق قفزة في ما يمكن تسميته «الاتصال الوطني» والذي سيكسب المجتمع قوة وثباتاً في مواجهة تحديات كبيرة، وستحمي فئات عمرية مختلفة من المفاهيم الخاطئة والاعتقادات المغلوطة، وسيحل أزمة الفهم لكل فئة من الفئات العمرية والثقافية والاجتماعية.
مقطع صغير في فيلم وثائقي بثته القنوات السعودية بعد المائة يوم الأولى لتولي الملك سلمان مقاليد الحكم أعطى أثراً اتصالياً إيجابياً، عندما استمع المشاهد لما يدور في جلسة مغلقة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وذهل الكثيرون من الشفافية والوضوح التي يتحدث بها الوزراء.. تفاجأ السعوديون أيضاً بأن القيادة السعودية استطاعت أن تحقق إنجازات سياسية وتحشد لتحالفات مهمة، وتحقق انتصارات في اليمن، وتحقق حضوراً دولياً ملفتاً من خلال تحركات وزير الخارجية، وما تحققه أيضاً وزارة الإعلام من أعمال على الصعيد الخارجي وفي إدارة خطاب إعلامي مركز للجمهور الفارسي. هذه المفاجآت الإيجابية يجب أن تستغل، وأن يصاغ أسلوب أكثر عصرية في مخاطبة الشارع، وأن لا يكون الاعتماد على موضة وسائل التواصل الاجتماعي فقط، الذي خلق مشاهير أكسبناهم شرعية التأثير وهم في الواقع لا يستحقونها وهنا لا أعمم بالتأكيد لأن هناك من يخدمون قضايا وطنهم ويتمتعون بالوعي ولديهم ثقافة وموهبة.
يجب أن يعرف السعودي معنى الانتماء، وأن يستشعر أهمية بلده، وأن لا ينساق خلف الشائعات الموجهة ذات الأهداف السياسية، وأن يفكر جيداً قبل أن يطلق الأحكام، وأن لا يكون سهل الانقياد خلف الأفكار العابرة للحدود أو تلك التي يمكن تسميتها «الأفكار المهربة».. ليس كل من يمدح الحكومة «منافق» وليس كل من ينتقد الحكومة «معارض».. بالتأكيد هناك «ناقد» وهناك «حاقد» ولكن تصنيف الناس يخضع لمعايير مشوهة توزعت على المجالس ووسائط التواصل الاجتماعي كما توزعت النظرة السوداوية، وتثبيط الهمم والهلع من المستقبل.. هذا موجود في نطاقات ليست واسعة إلى حد القلق، ولكن هناك من يستفيد من تسييد حالة نفسية غير مستقرة ليتلاعب بالمشاعر، وهنا يكمن خبث من يريد توجيه المجتمع السعودي بالاتجاهات التي يريدها.
الرأي العام في كل العالم يقوده المفكرون، وأصحاب المعرفة والباحثون .. أما لدينا لا يقوده في الغالب إلا محدودو التفكير ومن يسيسون المشاعر الدينية، ومن لديهم أجندات لا تقرها ولا تقبل بها الدولة، والدولة هنا لا أقصد بها الحكومة ولكن المقصود الشعب والنظام السياسي والإرث الديني والثقافي والاجتماعي، والإقليم بتنوعه الجغرافي والديموغرافي.. إذاً نحن في صراع حقيقي بين فكرة تغييب المواطَنة وتسييد حالة انهزامية، من نتائجها أن نرى كل دول العالم أفضل منا وأكثر منا تقدماً، وأصبح جلد الذات عادة عند كثير منا، وأصبحنا لا نثق بإنتاجيتنا وبأفكارنا وبما يمكن تقديمه، وإذا رأيت منجزاً وامتدحته سيأتيك أحدهم ويقول لك باستهانة «لا يهمك والله الطاسة ضايعة» والحقيقة أن الطاسة ليست ضائعة ولكن العمل في الظل أكثر من اللازم وعدم تسويق المنتجات الحكومية بصيغة يستشعرها المواطن قد يخلق حالة من عدم الفهم، وغياب الاتصال بين المستقبل والمتطلعين إليه.
هذه بعض من أمور أخرى كثيرة وجوانب متعددة تستوجب التفاتة صارمة، لنثق بأنفسنا ولنبعد المجتمع عن المؤثرات، ولنكون أكثر فهماً ووعياً، والواجب على الحكومة كبير لتعيد صياغة الرسالة الموجهة للمواطن، ولتصل رسائل غير مباشرة مستمرة تشعر المواطن السعودي بما يجب أن يكون عليه، وليعرف حجم وطنه وطموح حكومته.