محمد سليمان العنقري
الجواب على عنوان المقال بالتأكيد لدى وزارة العمل، فقبل أيام، نشر خبر بوسائل الإعلام مفاده أن السفارة السعودية في فيتنام رصدت سماسرة سعوديين يجمعون العاملات المنزليات بتكلفة لا تصل إلى ألفي ريال، بينما يتم استقدامها للمواطنين بمبالغ تتجاوز 25 ألف ريال، أي بارتفاع حوالي 12 ضعفا، واتضح أن من بينهم أعضاءً من اللجنة الوطنية للاستقدام حسب ما نشر، ولا يختلف الأمر عن رفع أسعار استقدام عمالة منزلية من جنسيات أخرى.
بات واضحا، كظاهرة لم يفهم إلى الآن سبب هذا التمادي بمخالفة الأنظمة التي طالما تذكر بها وزارة العمل والتي توضح بأن التكاليف أقل بكثير مما يدفعه المواطن بنهاية المطاف.
فمشكلة استقدام العمالة المنزلية، ومنذ تولتها وزارة العمل قبل سنوات ليست بالبعيدة، وهي تشهد تأزما كبيرا وارتفاعا بالأسعار بات مرهقا لغالبية الأسر، بخلاف التعطيل والمماطلات حتى تصل تلك العمالة للمملكة، والأعذار والحجج متكررة وجاهزة من مقدمي هذه الخدمة.
أما بالتكاليف، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة استقدام العمالة المنزلية (الخادمات) من بنجلادش بحسب ما هو مصرح رسميا حوالي 10 آلاف ريال تشمل رسوم التأشيرة، والراتب بحدود 800 ريال، لكن عمليا فإن التكلفة تزيد بحوالي 50%.
فيفترض أن تصل التكلفة بكامل التكاليف إلى حدود 1350 ريال شهريا بينما تقدمها الشركات بحوالي 1900 ريال، أي بمتوسط 45 ألف ريال للعقد لمدة سنتين.
وبالعودة للخبر الذي نشر عن التلاعب بأسعار استقدام العمالة من فيتنام، يتضح تماما طرق التلاعب وكيف حلقت الأسعار والتكاليف للعمالة المنزلية بالمملكة، بما يكشف الفرق الضخم بين تكلفتها محليا بالمقارنة مع دول الخليج الأقل، ورغم أن تصريحات وزارة العمل كانت تقول إنه لا يوجد فروقات إلا أنه نقل عنها بالإعلام أنها ستسمح بالاستقدام عبر مكاتب خليجية مما يوضح أن كان ذلك صحيحا أن نظرتها لم تكن دقيقة ومعلوماتها ليست كافية كي تعالج مشكلة هذا الملف بالسوق المحلي.
يضاف لذلك، كثرة الطلبات والرسوم كوثيقة إنجاز تصدقها مكاتب الاستقدام حسب ما هو منتشر بالسوق بحوالي 400 ريال، بينما التكلفة الرسمية تعادل 10%. والأغرب من ذلك، أنها لا معنى لها فعليا، لأن العميل مجبر بتصديق العقد من مكتب استقدام برسم يصل إلى 500 ريال، فلماذا كل هذه الإجراءات.
لكن كل ذلك قد يسهل معالجته إن كان هناك مخالفات فيه من حيث التكلفة، إلا أن وضع ملف الاستقدام برمته بات شائكا وكأنه عصيّ عن الحل مما يتطلب أن تقوم وزارة العمل بمكاشفة حقيقية لواقع السوق والخلل فيه، وتعالج السلبيات التي هي مسؤولة عن ظهورها كونها المنظم للسوق بنهاية المطاف. فإذا كانت الشركات أو المكاتب تتلاعب، فالمشكلة بنظر المواطن هي وزارة العمل، لأنها هي المشرع والمنظم والحامي لكل الأطراف تماما كمسؤوليتها عن التفاوض وتوقيع الاتفاقيات العمالية مع الدول المصدرة للعمالة عموما والمنزلية خصوصا.
ملف استقدام العمالة المنزلية أصبح مشكلة، والتكاليف باتت تستقطع من دخل الأسر ما يصل إلى ألفي ريال شهريا بالمتوسط على الأقل، وفي مواسم كرمضان تتضاعف الأرقام لمن يذهبون للسوق الداخلي لعمالة مخالفة، لكنهم اضطروا لأن مدة الاستقدام تطول، وبعضهم يضطر لتيسير هذه الفترة بأي طريقة وتكلفة، مما يوضح أن المشكلة هي سيطرة مطبقة على السوق تعطل الاستقدام للأسر لشهور، وهناك من يغذي السوق من الداخل ليرفع التكلفة بالمواسم، بخلاف التلاعب الذي تم كشفه بأكثر من حالة عن زيادة بالتكاليف تخالف ما هو معلن ببعض الدول. فوجود حوالي 1.5 مليون كعمالة منزلية بالمملكة رواتبها شهريا تتخطى 2 مليار ريال على الأقل، يوضح حجم السوق الضخم وسيلان لعاب بعض من يريد التلاعب من مقدمي الخدمات بالسوق ليحقق مصالح خاصة على حساب المواطنين بمئات الملايين سنويا كأرباح بعد خصم تكاليف العمالة ورواتبها.
رغم تقديرنا لكل جهود وزارة العمل، إلا أن علاج هذا الملف المعقد يبدو أنه أصبح خارج سيطرتها كحقيقة ملموسة حتى لو كان هذا التوصيف قد لا يرضي الوزارة ومسؤوليها، لكن الأعمال تقاس بالنتائج وإلى الآن لم نر حلول حقيقية تنهي إشكاليات الملف مما يتطلب تعاونا من جهات عديدة لها علاقة أو خبرة يمكنها مع وزارة العمل إنهاء كل هذه التشوهات التي لازمت السوق ومازالت منذ سنوات.