د.عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- مقاليد الحكم بالمملكة العربية السعودية، وضح حرصه على إحداث نقلات نوعية, وتغييرات جذرية في أداء المؤسسات المختلفة على وجه العموم, والمؤسسات التعليمية على وجه الخصوص، ومواصلة السير على خُطى من قبله, ابتداء من الملك عبدالعزيز -يرحمه الله-, ومن جاء من بعده من أبنائه الملوك - يرحمهم الله جميعاً-.
وظهر ذلك جلياً من خلال القرار الملكي بإلغاء مجلس التعليم العالي، حرصاً منه -حفظه الله- على البعد عن التعقيدات الروتينية، وحتى يتم التكيّف مع التغيرات التي تمر بها المؤسسات التعليمية، سواء كانت هذه التغيرات داخل المؤسسات التعليمية، أم تغيرات في بيئتها المحلية أو الخارجية، أم في البيئة الإقليمية, أم في البيئة العالمية.
كما اتضح ذلك أيضاً من خلال اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله بجميع فئات وشرائح المجتمع السعودي، كما شمل أيضاً هذا الاهتمام تطوير جميع القطاعات والمؤسسات الحكومية، والتي يندرج من ضمنها المؤسسات التعليمية ابتداء من أكبر مؤسسة تعليمية» وزارة التعليم» وانتهاء بأصغر وحدة تعليمية وهي «المدرسة».
وإيماناً من كثير من المختصين في المجال التربوي من أبناء هذا الوطن بهذه الرؤية الثاقبة، وحرصاً منهم على تقديم الدعم اللازم لتنفيذها بالرأي والمشورة والعمل نحو تحقيقها؛ سأعرض من خلال سلسلة من المقالات العلمية في الإدارة والتخطيط للمؤسسات التربوية؛ التي هي عبارة عن خلاصة عمل وجهد متواضع حرصت على تقديمه، وسأحاول من خلال هذه السلسلة من المقالات العلمية تقديم بعض الآراء والأفكار، والإجراءات التطبيقية التي يمكن أن تتبعها المؤسسات التعليمية المختلفة بالمملكة العربية السعودية لتطوير الأداء, سواءً الفردي أو المؤسسي, حتى تكون قادرة على المنافسة الإقليمية والعالمية بإذن الله.
وسيكون عرضها -بإذن الله- بشكل متدرج, حيث ستتناول المقالة العلمية (الأولى) رؤية لكيفية تحسين الأداء بالجامعات السعودية باستخدام مدخل الستة سيجما Six Sigma، وما يضمنه من تقليل نسبة احتمال حدوث أي خطأ في جوانب المنظومة العملية التعليمية كافة، بما يضمن في النهاية أن يكون خريجو المؤسسات التعليمية، وأن تكون الخدمات البحثية والمجتمعية التي تقدمها المؤسسات التعليمية والبحثية المختلفة، على درجة كبيرة من التميز، ونسبة احتمال الأخطاء بها تكاد تكون منعدمة.
ثم ستعرض المقالة العلمية (الثانية) كيفية استخدام التخطيط الإستراتيجي في تحسين القدرة التنافسية للجامعات السعودية إقليمياً وعالمياً، وذلك في ظل التحديات الكبيرة التي يمر بها المجتمع العالمي والإقليمي والمحلي، والتطور السريع في معايير جودة الأداء بالجامعات ومعايير تصنيفها، وانخفاض تصنيف الجامعات السعودية بين الجامعات العالمية.
ثم ستأتي المقالة العلمية (الثالثة) لتؤطر تفعيل الشراكة بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية، وتقدم جامعات الشركات كنموذج يمكن استخدامه في تفعيل هذه الشراكة وتدعيمها، بما يسهم بفعالية في تحقيق أهدافهما معاً.
وفي ضوء التحول إلى مجتمع المعرفة واقتصادياتها، ستأتي المقالة العلمية (الرابعة) والتي ستوضح كيفية تفعيل إدارة الموارد البشرية بالجامعات لتحقيق تميزها، وذلك باعتبار الموارد البشرية أغلى الموارد المتاحة بالمؤسسات المختلفة وأثمنها؛ وذلك لقدرتها على الابتكار والتجديد والتحديث، كما أنه لا يمكن الاستفادة من الموارد المادية إلا من خلال بشر قادرين على تعظيم الاستفادة منها.
ولما لأهمية القيادة الإدارية في تطوير المؤسسات التعليمية المختلفة, وتحقيق أهدافها وتميزها, وتحسين قدرتها التنافسية؛ ستتناول المقالة العلمية (الخامسة) كيفية إسهام القيادة التحويلية في إحداث نقلة نوعية متكاملة في قيم الأفراد, واتجاهاتهم, وثقافتهم, وسلوكياتهم بما يحقق تميز المؤسسات التعليمية، ثم بعد ذلك ستتناول المقالة العلمية (السادسة) مدخل القيادة الموزعة التي تضمن توزيع السلطات القيادية على جميع الأفراد بالمؤسسات التعليمية بالمستويات الإدارية المختلفة؛ بهدف تنمية مهاراتهم وقدراتهم القيادية، وبما يحقق نجاح المؤسسات التعليمية وتحقيق تميزها.
وبما أن تحسين الأداء في المؤسسات التعليمية, وتحقيق تميزها يتطلب الاستفادة من المداخل الإدارية الحديثة؛ التي تكون قادرة على تقويم المؤسسات التعليمية بشكل مؤسسي، حيث سيتم توضيح ذلك من عرض المقالة العلمية (السابعة) التي ستتناول مدخل قياس الأداء المتوازن الذي يضمن تحقيق التوازن في الأداء داخل الجامعات بين الجوانب المادية والجوانب غير المادية، من خلال تقويم الأداء بالجامعات وفق أربعة أبعاد هي التعلم والنمو، والعمليات الداخلية، والعملاء، والجوانب المالية، ثم تأتي بعدها المقالة العلمية (الثامنة), وستعرض أيضاً كيفية استخدام أحد الاتجاهات الحديثة الأخرى في التقويم المؤسسي؛ وهو مدخل المقارنة المرجعية, أو المقارنة بالأفضل, من خلال قياس عمليات العمل بالجامعات السعودية ومقارنتها بأخرى ذات أداء متميز عالمياً؛ بهدف التعرف على أساليب العمل، والحصول على معلومات يمكن أن تساعد الجامعة في اتخاذ ما تراه من إجراءات لتحسين أدائها.
وفي النهاية نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن تسهم هذه السلسلة من المقالات العلمية في مجال الإدارة والتخطيط التربوي في تطوير أداء المؤسسات التعليمية وتميزها، وفقاً لرؤية مستقبلية تتماشى مع الخطط التنموية للدولة.
والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- استاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الامام