د. سليمان بن عبد الرحمن العنقري
تناولت المقالة السابقة قِصر الدراسة في المملكة على المستوى السنوي والأسبوعي واليومي، وفي هذه الحلقة سوف يكون الحديث عن تعليق الدراسة بين الفينة والأخرى لأسباب متعددة حتى صار الطلاب والطالبات وبدون مبالغة يترقبون، بل ويتلهفون في كل موسم وفي كل مناسبة من كل عام لخبر هنا وخبر من هناك من أعلى مسؤول في التعليم أو من مديري تعليم المناطق، بل من مديري المدارس.. خبر يعلن فيه تعليق الدراسة ليوم أو يومين وربما ثلاثة أيام بسبب (سوء الأحوال الجوية)!! وليتهم أوعزوا ذلك إلى سوء الأحوال الأرضية وما يتعلق بها من سوء تصريف السيول إن وجدت وسوء تصريف مياه الأنفاق لصار الأمر فيه شيء من الإنصاف والتأدب، لقد صارت توقعات الأرصاد خبراً مفزعاً يتلقفه الدفاع المدني أمراً مسلماً فيحيله بدوره إلى مسؤولي التعليم، محذراً من فتح أبواب المدارس والجامعات، ومن هنا بدأت وتيرة الإجازات وتعطيل الدراسة سمة مع هطول أي قطرة ماء وأخذت الإجازات في المملكة تتصاعد خلال السنوات القريبة الماضية، وخصوصاً في التعليم العام الذي أصبح من السهولة فيه اتخاذ قرار تعطيل الدراسة بناء على تغيرات الطقس والأجواء من أمطار وغبار وهكذا دواليك، ناهيك عن تمديد إجازة الأعياد وتعليق الدراسة بسبب المؤتمرات الرسمية التي يحضرها رؤساء الدول، ولذلك أصبح العام الدراسي في المملكة أقصر عام دراسي في العالم، فضلاً عن الأسبوع الدراسي واليوم الدراسي الذي هو أيضاً أصبح أقصر أسبوع دراسي ويوم دراسي في العالم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ورحم الله أيام زمان حينما كان جيلنا يمشي إلى المدرسة ذهاباً وإياباً في الصباح الباكر حيث البرد القارس أو في الظهيرة حيث الشمس الحارقة حسب فصول السنة شتاءً وصيفاً.. جيل اختبار المنهج كاملاً من الغلاف إلى الغلاف لا مرشد طلابي ولا مدرس خصوصي ولا خيارات في حل المسائل الرياضية وغيرها على السبورة أمام الزملاء والمشاركة في النشاط اللا صفي الإذاعي والمسرحي والرياضي والمسابقات الثقافية.
نحن جيل لم ندخل مدارسنا بهواتفنا النقالة، ولم نشك من كثافة المناهج الدراسية ولا حجم الحقائب المدرسية ولا كثرة الواجبات المنزلية.. نحن جيل لم يستذكر لنا أولياء أمورنا دروسنا ولم يكتبوا لنا واجباتنا المدرسية أو دكاكين خدمات الطالب المنتشرة في كل شارع والتي تخدم الطالب من.. إلى وكنا ننجح بلا دروس تقوية وبلا وعود دافعة للتفوق والنجاح!!!
وكنا نحفظ القرآن ونحافظ على المصاحف والكتب.. لقد تربى جيلنا على المحبة والتسامح والصفح نبيت ليلنا وننسى زلات وهفوات بعضنا البعض، نحن جيل إذا نزل الغيث نفرح ونذهب للمدرسة رغم أن الطرق غير مرصوفة ولا معبدة بل هي تراب وطين ووحل، نحن جيل كان للأبوين في داخلنا مكانة عظيمة وللمعلم هيبة جليلة ولإدارة المدرسة تقدير وقيمة، فأين ذلك من جيل هذا اليوم؟
لقد تم مؤخراً تداول تغريدة عن برقية صادرة قبل 61 عاماً بتوقيع مدير التعليم بمحافظة الرس موجهة لمدير إحدى المدارس هناك متضمنة عدم تعليق الدراسة أو تعطيلها ما أمكن على الرغم من سقوط بناء المدرسة وأن يتم تحويل مكان الدراسة إلى فناء المدرسة، وهو ما تم فعلاً وما ذلك إلا حرص على مواصلة الدراسة وعدم الانقطاع رغم تلك الظروف والإمكانيات المتواضعة، بل والمعدمة أيضاً والله المستعان.
وختاماً أرجو أن يكون هناك تعويض عن الأيام التي عُلقت بها الدراسة لتضاف في نهاية العام الدراسي تحقيقاً للمصلحة العامة.
وبمناسبة الحديث عن الإجازات في التعليم، فأود الإشارة إلى أن موظفي الدولة في القطاعات الحكومية الأخرى هم أيضاً الأكثر رصيداً في الإجازات على مستوى العالم بما يقارب الشهرين في العام، حيث إن إجازة الموظف تشمل الإجازات الرسمية مثل الأعياد واليوم الوطني ناهيك عن الإجازات العادية والمرضية إذا لزم الأمر، ومنها الإجازة الدراسية التي تشمل الموظف في حال رغبته في إكمال دراسته والاضطرارية والمرافقة والامتحانات وللعنصر النسائي ما يفوق ذلك من إجازة الوضع والإجازة من دون راتب وغيرها من الإجازات التي أصبحت من المسلَّمات.
وفي المقابل نجد اليابانيين هم أكثر شعوب العالم حرماناً من الإجازات سواءً في قطاع التعليم أو القطاع الحكومي ناهيك عن القطاع الخاص على رغم أن بلادهم تعتبر الأكثر تعرضاً للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والانفجارات البركانية والزلازل والأمطار الغزيرة، ومع ذلك فإن متوسط إجازاتهم لا يتجاوز تسعة أيام في العام، وأما أمريكا ثاني أقل دول العالم إجازات فإن متوسط إجازاتهم لا يتعدى أيضاً تسعة أيام في العام من سبعة عشر يوماً في العام تمنح لهم.
وجهة نظر
جامعات المملكة تنفرد ولله الحمد عن بقية جامعات العالم بصرف مكافأة شهرية تشجيعية للطالب والطالبة وجل الطلاب والطالبات بحاجة ماسة لهذه المكافأة، وحبذا لو يتم إعادة النظر في صرف هذه المكافأة بحيث لا تذهب إلا لمستحقيها من الطلاب والطالبات، وتحجب عن شريحة من أولئك الذين يأخذون مخصصات من الدولة سنوية أم شهرية حتى لا يكون هناك ازدواج في الصرف لأن من يأخذ مخصصات من الدولة ليس بحاجة لهذه المكافأة، بل ولا تشكل له أي رقم في حسابه الشخصي مما يوفر للدولة الكثير والكثير من الهدر المالي الذي قد لا يعني الكثير لمن تصرف له الدولة مخصصات تفوق بكثير المكافأة الجامعية، وهذا يجرنا إلى الحديث عن بقية ازدواجية الصرف في كثير من الحالات مثل صرف العوائد (المناخ) وغيره لموظفين كبار وصغار، بل وطلاب وهكذا دواليك.
وجهة نظر أضعها بين يدي مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد عضو مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز والذي درس الهدر المالي في كثير من الوزارات والقطاعات الحكومية الأخرى، فالأمل معقود بالأمير والمجلس لتصحيح الأوضاع القائمة من ازدواجية الصرف.
والله من وراء القصد.