د. سليمان بن عبد الرحمن العنقري
لقد كتبت وقبل أكثر من عشرين عاماً أكثر من مقالة عن مسيرة التعليم في المملكة، وأنها الأقصر بين دول العالم وأشرت إلى أن المتتبع لهذه المسيرة منذ انطلاقها سوف يلاحظ أن فترة الدراسة كانت أطول مما هي عليه الآن سواء على المستوى اليومي أو الأسبوعي أو العام الدراسي ثم حدث تقلص لذلك على المستويات الثلاثة اليومي والأسبوعي والسنوي؛ حيث إنها أصبحت الآن بما معدله خمس ساعات في اليوم، وخمسة أيام في الأسبوع ومائة وأربعون يوماً فقط في العام الدراسي.
والمهتم بأمور التعليم لابد أنه سوف يلاحظ أنه لا توجد دولة واحدة من الدول المتقدمة وكذلك ما يسمى بالدول النامية وصلت بها مدة الدراسة اليومية أو الاسبوعية أو السنوية إلى هذا الحد من القصر. ومن هنا صارت الدراسة في مدارس التعليم العام لدينا هي الأقصر من بين دول العالم متقدمة ونامية، ليس هذا فحسب، بل مما يزيد الطين بلة هو تقطيع الدراسة وتجزئتها بين الفينة والأخرى، فكم من مناسبة تتوقف يها الدراسة، وكم إجازة تتوقف فيها المدارس وفوق هذا كم عدد أيامها؟.. وحيث إن الحديث الإنشائي المرسل قد لا يجد قبولاً لدى القارئ الكريم، وأن لغة الأرقام هي الدليل الأقوى الآن والمعول عليه: فماذا تقول لغة الأرقام؟
بقراءة متأنية لتقويم العشرة الأعوام - الذي أصدرته وزارة التعليم.. يتضح أن الدراسة الفعلية تتراوح ما بين 140 - 150 يوماً، وهذا الرقم يعد متدنياً جداً مما يتطلب مراجعة مستوى الدراسة الكمي والنوعي، ولذلك فإن الدراسة في المملكة منخفضة فعلاً لتكون هي الأقصر بين دول العالم، وهو ما يترتب عليه هدراً للمال العام، ومن هنا تظل المدارس مغلقة والمعلمون والمعلمات في حالة بطالة مقنعة بقية أيام العام، فمن غير المعقول أن توضع الميزانيات وتوقع العقود وتشيد آلاف المدارس وتصرف الرواتب على أساس 365 يوماً في حين لا تفتح المدارس أبوابها إلا ثلث هذه الأيام وبمراجعة بسيطة للسنة الدراسية 1436 - 1437هـ نجد أن الدراسة تقلصت إلى أقل من 140 يوماً بسبب الاجازات وتعليق الدراسة لأي ظرف طارىء بسبب عادة الغياب المتأصلة لدى الطلاب قبل الامتحانات وبداية كل فصل دراسي.
والمؤسف حقاً أن الوضع لا يبدو في طريقه للتحسن؛ لأن التقويم الدراسي الذي وضعته وزارة التعليم للأعوام العشرة القادمة يتضمن نفس القدر من أيام الدراسة من إجازات، فضلاً عن تعليقها لأسباب أخرى، وهنا تأتي المعادلة الصعبة (كم قليل مع نوع منهج ضعيف) وهو ما أعنيه من مناهج تنظيرية تلقينية أكثر بكثير من المناهج العلمية التطبيقية.
وحيث إن المقارنة مع دول أخرى قد تقرب الصورة أكثر وتكون أكثر موضوعية في الطرح، نلاحظ كم عدد الأيام الدراسية في بعض الدول على النحو الآتي:
تأتي اليابان في طليعة الدول حيث إن معدل أيام الدراسة فيها 253 يوماً بعدها الصين251 يوماً ثم كوريا الجنوبية220 يوماً ثم ألمانيا وروسيا 210 أيام، ثم سويسرا 207 أيام، ثم هولندا وإسكتلندا 200 يوم، ومن الدول العربية مصر 200 يوم، بل إن البحرين وهي الأكثر سوءاً في المناخ من المملكة تفوقنا في عدد أيام الدراسة.
فهل هناك مقارنة بين مدة الدراسة في مدارسنا وأي من الدول التي أشرت إليها، إنه لا وجه للمقارنة بأي حال من الأحوال والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تكون مدة الدراسة في مدارسنا الأٌقل من بين دول العالم سؤال مهم بحاجة إلى إجابة؟ علماً بأن جميع المدارس الأجنبية في المملكة تطبق اليوم الدراسي الكامل رغم أنها تعيش نفس الأجواء ونفس الظروف.
إني لا أدعو إلى إعادة النظر في السياسة التعليمية لأنها لا تحدد عدد ساعات الدراسة ولا علاقة لها ببداية العام ونهايته وإنما إلى إعادة النظر في تلك الإجازات المبالغ فيها وتهيئة المباني المدرسية من أجل أن تأتي مواكبة لما نحن مقدمون عليه ومتناسبة لما نطمح أن نصل إليه، وغربلة المناهج وتطوير الأساليب التربوية؛ لأن في إطالة اليوم الدراسي إعطاء وقت أطول للاستفادة مما قد يطرأ على العملية التعليمية من تطوير باستخدام التقنية الحديثة والوسائل التعليمية المتطورة التي تعليمنا في أمس الحاجة إليها.
كما أني لا أدعو إلى إطالة اليوم الدراسي لمجرد الاطالة ومجاراة الدول المتقدمة التي أشرت إلى بعضها، والتي قد يفهمها خطأ بعض الإخوة من المعلمين إن لم يكن جلهم فيصبوا عليَّ جام غضبهم متناسين أنهم أولياء أمور مثلما هم معلمون.
أقول ليس هذا هو الهدف والمؤمل وإنما الهدف إن شاء الله هو المصلحة العامة.
إن استمرار التعليم في مدارسنا على النحو الذي هو عليه من قصر في اليوم الدراسي والأسبوع الدراسي والعام الدراسي وتعليق الدراسة بين الفينة والأخرى شجع ويشجع على الدروس الخصوصية التي تضاهي الدراسة الفعلية بعدد ساعاتها إن لم تكن أكثر والتي أثقلت كواهل أولياء الأمور وخربت الدور.
كما أن في إطالة اليوم الدراسي، وكذلك العام الدراسي سوف نحصل على الآتي:
- منح المعلمين والمعلمات الوقت الكافي للشرح والمراجعة واستخدام الوسيلة التعليمية الاستخدام الأمثل لأن عرضها يتطلب وقتاً أطول.
- إعطاء الطلاب والطالبات فرصة أطول لإنهاء واجباتهم اليومية قبل أن ينصرفوا إلى بيوتهم كما هو حاصل فعلاً في بعض المدارس الخاصة في بعض مناطق المملكة التي تطبق اليوم الدراسي الكامل إضافة إلى أن الطلاب سوف يدرسون المنهج دراسة وافية مستوفية.
- أيضاً فإن في إطالة اليوم الدراسي إعطاء متسع من الوقت للاستفادة من المنشآت الرياضية في المدارس وإعطاء الطلاب فرصاً أكبر للنشاط اللاصفي، كما أنه سوف يساهم في الحد من الفراغ الذي قد ينشأ بعد انصراف الطلاب إلى بيوتهم مبكراً وما يترتب على ذلك من التسكع في الشوارع والطرقات واللف والدوران بالسيارات.
- وأخيراً.. فإن في إطالة اليوم الدراسي الحد من ظاهرة خروج بعض أولياء الأمور أثناء الدوام بحجة إيصال أبنائهم وبناتهم إلى منازلهم والله أعلم بمن يعود منهم إلى مكتبه.
وجهة نظر أطرحها على القائمين على التعليم الذي لا يخامرني أدنى شك في أنهم يسعون لما فيه الصالح العام ويعملون جاهدين ليل نهار للنهوض بالعملية التعليمية، وكل ما من شأنه خير هذه البلاد وأهلها، وبخاصة أجيال الغد والمستقبل.
أما من ناحيتي فإني سوف أكرر وأكرر الحديث عن هذا الموضوع حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
والله الموفق.