محمد آل الشيخ
الزميل الأستاذ «مشاري الذايدي» أشار في برنامجه اليومي (مرايا) على قناة العربية، إلى قضية في غاية الأهمية، خاصة هذه الأيام ، تعري نظام الخميني، وتظهره على حقيقته، وهي اختفاء الإمام الشيعي اللبناني، والإيراني الأصل، «موسى الصدر» في الحادي و الثلاثين من أغسطس عام 1978؛ فمازالت هذه القضية تحوم حولها كثير من علامات الاستفهام والشكوك، والتي تشير إلى أنه اختفى في ظروف غامضة بسبب مؤامرة تمت بين الخميني والقذافي، بعد أن تم استدراجه لزيارة ليبيا، واختفى ومرافقان كانا معه من حينها.
القضية بدأت تتكشف بعض ملامحها بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، ولا بد أن هناك من يعرف حقيقتها على وجه الدقة والتفاصيل. ورغم أن «مشاري» قد أشعل جذوة هذه القضية، أو بالأحرى سلط الأضواء على هذا اللغز المحير، فإن القضية تحتاج فعلاً إلى بحث وتتبع وتمحيص واستقصاء، وربط كثير من الشواهد ببعضها البعض، وانتاجها في (فيلم وثائقي) يُسلط الضوء على هذه القضية أكثر وأشمل من جميع أبعادها، خاصة موقف الصدر من نظرية الولي الفقيه، ويدعمها بكثير من الأدلة والشهادات التي من شأنها كشف أن الإمام الصدر راح نتيجة تصفية دبرها الخميني ونفذها القذافي، أما الثمن الذي جعل القذافي يُقدم على هذه التصفية، ويتحمل المسؤولية، فلم أتوصل إليه حتى الآن، بينما السبب الذي دفع الخميني لتغييب الصدر فلأنه كان لا يؤمن بولاية الفقيه ويناوئها، ولأن لبنان أفضل الدول الجاهزة لتكون الجسر الذي من خلاله يستطيع أن يبيع بضاعته الأيديولوجية ليصدر ويؤجج ثورته التي كانت آنذاك في طور التشكل في إيران والمنطقة، ولوجود طائفة شيعية كبيرة نسبيا في لبنان، وكان لا يمكن للخميني أن يُصدر ثورته ويرسخها، حتى يبني توجها يؤمن بنظرية ولاية الفقيه إيمانا كاملا لدى الشيعة في داخل ايران وخارجها، غير أن العقبة الكؤود لتحقيق هذه الغاية كان «موسى الصدر»، رجل الدين الذي كان زعيماً لا ينافسه أحد، ويحظى بشخصية وشعبية طاغية بين أفراد الطائفة الشيعية في لبنان وخارج لبنان.
والعرب الآن، وليس المملكة فحسب، صنفوا (حزب الله) منظمة إرهابية، بعد أن اتضح لهم ان (خرافة) حزب المقاومة ما هي إلا ذريعة ذات بريق زائف، ما إن قامت ثورة السوريين على رئيسهم، حتى خبا بريقها، بانضمامه للميليشيات الإيرانية الطائفية يُدافع عن نظام الأسد، وأدار ظهره لفلسطين، منهياً أكذوبة حزب المقاومة والصمود الموجه رماحه نحو إسرائيل.
الآن لا أعتقد أن أحداً يدافع عنه، اللهم إلا بعض الشيعة، المؤمنين بولاية الفقيه. وفي تقديري أن تطهير العقلية اللبنانية من فبركات هذا الحزب، وما كرسه في الأذهان من صورة مزيفة هي الان ضرورة ملحة ألح من اي وقت مضى، فاللبنانيون أولا، والعرب ثانيا، في أمس الحاجة لتتبع تاريخه (المزيف)، وتاريخ رجالاته وقادته، وكيف يُدار من الداخل، وكيف تصله الإعانات، وغيرها من المؤامرات والتفاصيل التي تكشف بنيته التحتية، وعلاقاته مع الحرس الثوري، الذي ينتمي إليه، وفضحه، ولا أرى أفضل من قصة اختفاء «موسى الصدر» في ليبيا، وسكوت الخميني عن اختفائه، وهو الذي وضع نفسه محامياً عن جميع الشيعة في العالم كما يقدم نفسه. هذا السكوت المريب، والتبعات التي توالت بعد اختفاء موسى الصدر، وأنتجت حزب الله، الذي انشق عن (حركة أمل) التي أسسها موسى الصدر في لبنان، يثير كثيراً من الشكوك القوية، التي تؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، وقد جرى ترتيب هذا (الوراء) مبكراً. ودعني أضع السياق في هذا السؤال: هل يمكن أن يتكون في لبنان (حزب الله)، ويُنجب هذا الحزب قائداً مثل «حسن نصر الله» يسوق النظرية الخمينية، لو أن موسى الصدر بكاريزميته الطاغية، وتاريخه النضالي المتجذر، على قيد الحياة؟.. الإجابة بالطبع : لا، وتتأكد الشكوك أكثر إذا عرفت أن «موسى الصدر» يختلف مع نظرية ولاية الفقيه اختلافا جذريا، فضلا عن أنه لاعب سياسي بارع في الساحة الشيعية حينها كما يقول تاريخه، ويُعيد له كثير من الشيعة الفضل في أنه هو من خلق لهم كيانا سياسيا في لبنان، وكانوا قبله بلا كيان سياسي يمثلهم، ولا قائد متمكن يتحدث باسمهم ويدافع عن قضاياهم.
إن فيلما وثائقيا في هذه الأيام، لفضح حقيقية هذا الحزب المفبرك، وكشف ملابسات قضية اختفاء الصدر، ولمصلحة من، ومساهمة الخميني والقذافي في إخفائه، قضية في غاية الأهمية، وسيكون تأثيرها بالغا إذا ما تولاه منتجون تلفزيونيون محترفون؛ كما أنه سيحاصر (البلطجة) الإيرانية الإقليمية، ويؤكد لمن بقي يؤمن بهذا الحزب القميء أنه ولد نتيجة لتزاوج مؤامراتي بين الخميني والقذافي.
إلى اللقاء.