ميسون أبو بكر
قبل سنوات حين أطلق المحاضرون لفظة العربيزي في إحدى محاضرات اللغة العربية استهجنت المصطلح بداية لكنه سرعان ما شاع وأصبح يعبر عن دمج اللغتين العربية والإنجليزية عند فئة الشباب في الكتابة أو التعبير، ولعلني الآن والتكنولوجيا تسطو في عالمنا على كل شيء تقريباً في حياتنا؛ فقد تحولت الكتب إلى إلكترونية والصحف كذلك، التسوق صار على الإنترنت والتواصل عبر برامج كثيرة إلكترونية؛ الدعوات إلكترونية وبطاقات التهنئة والتعزية إلكترونية، حتى التعارف والزواج صار عبر هذه الوسائل، والتسلية فرضتها التقنية كما العزلة المجتمعية، والحب (إن كان مازال هناك حب ووله) صار إلكترونياً فلا المحبوب يقطع المسافات والصحاري ويجس الخيمات في الصحراء لعل محبوبته تسكنها، ولا هو يحمل سيفه ورمحه ليثبت بطولاته ورجولته؛ لأن عشاق اليوم هم عشاق (انترنتيون) لا تسعفهم اللغة ولا يغزلون القصائد لأن أجهزتهم التي عمادها التقنية وليس المشاعر والأحاسيس يكفي ضغطة زر لترسل الوجوه الضاحكة والحزينة والقلوب والورود والرموز التي قد تعبر بالصورة عن لحظة أو عبارة يود هذا الشاب إرسالها.
يعني (باي باي) لقصائد عنترة ومجنون ليلى وقيس بن الملوح وكثير بثينة ولكل مجد اللغة التي كونت أجيالاً بقي إرثهم الأدبي واللغوي حتى اللحظة كنزاً لنا.
ووداعا لأسواق العرب التي كان يجمعهم فيها الشعر وجنون اللغة فقد فرضت اليوم التقنية سجونا الكترونية وعزلة لأصحابها الذين تحولوا إلى أسرى وعبيدٍ لها. كل الرموز والوجوه والورود على شاشة الجوال هي جاهزة بضغطة ان ترسلها عربون محبة أو هدية عابرة أو قد تستخدم أحياناً كأفخاخ إلكترونية.
لم تقتصر اللغة العربية أن تكون مهملة أو مهمشة أو تخالطها بعض المصطلحات الإنجليزية بل تحولت المشاعر إلى رموز يستخدمها الشباب كهدايا جاهزة يوزعونها عبر الشبكة العنكبوتية وإن كانوا يقلدونها دون أن تكون صناعة خاصة بقلوبهم وعقولهم أو عبارات اصطنعها خيالهم.
بالإضافة إلى أمر مهم غفلت تلك الفئة بالذات عنه وهي أنه لاستخدام الفضاء الإلكتروني بوسائله المختلفة ثقافة كان من المفروض للشباب الإلكتروني عدم تجاوزها، فنجد الشاب يرسل لزميلة امرأة في العمل رموز لا تليق إلا بالمقربين عاطفياً كقبلة مثلاً أو ورود حمراء أو غيرها، ثم أن يرسل لمسؤوله بعض الرموز التي يمكن استخدامها بأريحية مع من هم في مستواه العمري وليس لشخص علاقته به تتسم بالرسمية.
صارت المشاعر سلعة سهلة جعلها سوء استخدام الفضاء الإلكتروني أكثر رخصاً، وعدم وعي الشباب، ووجود مثل تلك الرموز جاهزة على شاشة الجوال.
عجلة الزمن تتسارع.. ويجب ألا ننطلق عبرها لنكون عبيداً لما هو جديد بل لنترك أثرنا مشرقاً ناصعاًَ.. وقبل أن نفكر باستعارة أحد تلك الرموز الإلكترونية لا بد أن نفكر مراراً ونحسن الاختيار إن كان لا مفر لنا، ثم أن نعود أنفسنا على استخدام لغتنا والتعبير بها.
سأهمس لكل من يمر من الشباب على مقالي..
لا تكونوا فريسة سهلة في الأفخاخ الإلكترونية، ولا تستهينوا بمشاعركم ومشاعر الآخرين، ولتكن اللغة هي السبيل الأول للتعبير والتواصل.. اللغة هوية لا يجب أن نتنازل عنها أبداً.
واجعلوا مشاعركم وأحاسيسكم وقلوبكم أغلى من أن تقدموها سهلة لأي عابر إلكتروني.
من آخر البحر.. لنزار قباني:
كلما غنيت باسم امرأة أسقطوا قوميتي عني وقالوا: كيف لا تكتب شعراً للوطن؟.. وهل المرأة شيء آخر غير الوطن؟.