كوثر الأربش
كنتُ في صالة انتظار المسافرين، حينما سمعتُ صوتًا مدوِّيًا يشبه صفعة، ثم صوت بكاء مخنوق من خلفي. حاولت الأم أن تجعل ابنها الصغير مُحمّر الخد أن يبتلع دموعه أيضًا. الصبي في السابعة من عمره تقريباً، شعره المنسدل لم يخفِ وضاءة وجهه، ولم تحصنه تلك البراءة الصافية في ملامحه من سطوة الأم الغاضبة. في الحقيقة لم أتمالك نفسي، نهضت وخاطبتها أن تتوقف عن تعنيف الصبي.لم تلتفت.. لم ترد بأدنى كلمة، ولم تتوقف عن توجيه كلمات التهديد للصبي الخائف جدًا بجوارها.
ما الذي يدفع أم لضرب ابنها؟ لدفن أمومتها الفطرية والتحوُّل لوحش لا يرحم؟
سمعنا كثيراً عن جرائم الآباء في حق أبنائهم، من تعنيف وضرب وتعذيب وقد يصل الأمر لتحرشات جنسية!. لكن «الأمومة» هذا الفيض الرباني الذي يشرق في قلب المرأة قبل أن يتخلّق الجنين في أحشائها، كيف له أن يضمحل؟ يقول مصطفى حجازي في كتابه «التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكيولوجية الإنسان المقهور»: «يتهرب الرجل من مأزقه بصبه على المرأة من خلال تحميلها كل مظاهر النقص والمهانة التي يشكو منها في علاقته مع المتسلط وقهره والطبيعة واعتباطها. ولذلك يفرض على المرأة أكثر الوضعيات غبنًا في المجتمع المتخلف ، إنها محط كل إسقاطات الرجل السلبية والإيجابية على حد سواء . وهي تُدفع نتيجة لذلك إلى أقصى حالات التخلف. ولكنها من هوّة تخلفها وقهرها ترسّخ تخلف البنية الاجتماعية من خلال ما تغرسه في نفوس أطفالها من خرافة وانفعالية ورضوخ». إذن، إنها دائرة حياة العنف المغلقة. تبدأ من قهر المجتمع للزوج، ومن ثم قهر الزوج للزوجة، والزوجة لأبنائها. العنف الذي يغذي ذاته من مصب يعود إليه في النهاية. الضحية في تصوري ليس المرأة، فمهما مورس عليها من تعنيف تبقى إنساناً كاملاً، عاقلاً، بالغاً، مسؤولاً عن ما يقع عليه من ظلم وتعنيف، وبإمكانها تتبع الطرق المعروفة اجتماعياً وقانونياً للتخلص من العنف لو امتلك الإرادة الكافية والشجاعة. لكن الضحية الحقيقية هم الأطفال. هؤلاء البراعم الصغيرة والهشة التي تدهسهم عجلة العنف الممتد ذاك دون رحمة. ليس صبي المطار وحده وحسب، أطفالنا في البيوت والمدارس، كيف يمكن إنقاذهم وتخليصهم من هذا المرض العضال؟ كيف ننقذ مستقبلهم؟
علينا أن ننشر الوعي الحقوقي الكافي بأنّ من حقهم أن يكبروا في بيوت آمنة، وأنّ هناك دائماً طريقة لبلوغ هذا الهدف..
لصبي المطار: لا تعرفني، وقد لا ألتقيك يومًا.. ولكني كل ليلة أدعو لك بأنّ تلك كانت حادثة عارضة، أدعو لك في الليل حين تنبض أمومتي بالحب.