كوثر الأربش
عظم الله أجرك يا وطن، عظم الله أجركِ يا أحساء، أيتها الأمهات الثواكل، أيها الآباء الذين انكسرت ظهوركم، كل من ذرف دمعة، كل من تألم، وكل من اقشعر جلده حتى..
الأحساء تتلقى ثاني طعناتها من خنجر الإرهاب المسموم، الواحة الطيبة التي لطالما حنت وربّت واستدارت كما يستدير الضرع. هذا الشطر من وطننا الحبيب، يصرخ ظهيرة جمعة آخر، لينضم ثلاثة شهداء بإذن الله لسرب الشهداء المحلق لله. ليسوق دمه المراق شكاية لله، من عدو لهم، عدو للوطن، عدو للصلاة!
فريقان، منذ البدء.. من يسقي ومن يقطع، يطعم وينهب، يحيى الناس ويقتلهم. لا حياد في الخير والشر، والازدواج لا يسكن قلبًا واحدًا. إما تُفسد أو تصلح. عجلتان متعاكستان ولكن بهما تسير الحياة، أعني بترادفهما، جولة للخير، جولة للشر.. هكذا حتى يأذن الله. الأخيار هم أحباب الله، يرغبون بالعيش بسلام، ليس لهم وحسب، بل للآخر أيضًا، وعلى النقيض أعداء الحياة، كرهوها، وكرهوا أن يعيشها الآخر. فحملوا الموت مشطورًا، جزء لأحشائهم وجزء لأحشاء الأبرياء. الله يرى ويسمع ويعرف فريق الجنة وفريق النار. هذا المصير لا يخص الواقعة، لا يخص الضحية والقاتل، بل يشملنا نحن، نحن البعيدون عن موقع الأحداث، القريبون في نفس الوقت، الذين نتعاطف، نستنكر، نشمت، نبكي ونتألم أو نتشفى ونفرح. في ساحة الجريمة، في أعقابها النكراء، والدماء لم تزل ساخنة تختلط بالدخان والنار والصراخ. مرّ أحد المتفرجين بسيارته، ليصور الحادثة كما يصور أي سائح أو فضولي مشهدًا مشوقًا. الرجل بكثير من اللا مبالاة والتشفي يدير كاميرا جواله، بين الذعر والجماهير المحتشدة، متمتمًا بتشفٍ واضح، الوقت الذي اعترضه أحد المتجمهرين من أهالي الشهداء، على ثوبه بقايا دم، في عينيه بقايا ترويع، صرخ: وخر.. وخر لا يصير لك شيء!
يالله.. يالله. هل كان يدري هذا المتشفي أنه جاء يزرع شوكًا في تلة الورد؟ ماذا تشعر لو أتيت لصفع شخص ما وتفاجأت به يتوجه لك لتقبيلك؟ أذكر أن ابني الشهيد محمد، كان يمشي في ساحة المدرسة، وقت الغداء، حينما تفاجأ بعلبة بيبسي ترتفع في الهواء لتهوي عليه وعلى زميله ملوثةً ملابسهما، الزميل غضب، محمد التقط العلبة وتوجه للطالب العابث الذي ألقاها عليهما، ظن زميل ابني أنه سينتقم، لكنه تفاجأ بمحمد يقبل الطالب ويضع العلبة في يده ويمضي!
أبيات شهيرة ذكرتها الآن:
أغرى امرؤ يوماً غلاماً جاهلاً
بنقوده حتى ينال به الوطرْ
قال أتني بفؤاد أمك يا فتى
ولك الدراهم والجواهر والدررْ
فمضى وأغمد خنجراً في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثرْ
لكنه من فرط دهشته هوى
فتدحرج القلب المعفر إذ عثرْ
ناداه قلب الأم وهو معفرٌ
ولدي حبيبي هل أصابك من ضررْ