جاسر عبدالعزيز الجاسر
لا أدري مَنْ الذي رسخ لدى الدول الأخرى، وفي مقدمتهم الأشقاء العرب والمسلمون، وحتى الدول البعيدة عنا جغرافياً، أن المملكة العربية السعودية دولة مانحة للمساعدات، تدفع للجميع حتى للدول التي لم يُعرف عنها الوقوف مع القضايا التي تدافع عنها، وأغلبها قضايا عربية وإسلامية؟!
بشفافية وبوضوح تام، يجب أن نقرَّ بأن كثيراً من أشقائنا العرب يعتبرون المملكة العربية السعودية دولة أشبه بالجمعية الخيرية التي تقدم مساعداتها للجميع بلا ثمن ولا مقابل، وهذا صحيح، حتى أن أدبيات وأقوال السياسيين بل حتى البيانات الرسمية لبعض الدول العربية تظهر وكأن ما تقدمه المملكة أمر مفروغ منه؛ إذ كثيراً ما ترد ضمن بيانات تلك الدول أن المملكة (أوفت بالتزاماتها)، (سددت المملكة العربية السعودية التزاماتها المالية، ودفعت القسط الأول مما التزمت به في القمة العربية ودفعت إلى الدولة الفلانية عشرين مليون دولار).. وهكذا ترد العديد من الصيغ والعبارات الرسمية التي تؤكد (الالتزام)، وكأنه فرض على المملكة.
نعم، المملكة العربية السعودية وافقت مع غيرها من الدول القادرة على تقديم المساعدات للدول العربية المحتاجة. والمساعدات وإن عُدَّت واجبةً لدعم الأشقاء إلا أنها ليست إلزامية كما توحي البيانات الرسمية لتلك الدول، التي لم تتابع وتطالب الدول الأخرى بما ذُكر من أرقام المساعدات.
المواقف الداعمة وما تقدمه المملكة من مساعدات، ومن كثرة ما قُدّم، والسكوت عما يصدر من الدول المستقبلة من مساعدات من إساءات وإهانات وحتى مواقف عدائية، جعلت تلك الدول وأحزابها وبعض المؤسسات تُعِدُّ ما تقدمه المملكة من أموال ومساعدات (فرض عين) وواجباً، يجب عدم التخلي عنه في زمن تخلى فيه الجميع عما يقولونه وعما تعهدوا به.
لبنان ليس وحده الحالة التي لم تقدِّر ما بها من جهات حزبية ومؤسسات ما قدمته المملكة؛ فهناك دول أخرى أيضاً تعتبر ما تقدمه المملكة من مساعدات مالية وعينية ومواقف سياسية فرض عين وواجباً، لا يجب أن يقابَل بمواقف مماثلة، مواقف وليس أموالاً، بل تقديراً، والوقوف مع مواقف المملكة العادلة التي جميعها تصب وتعمل من أجل تحقيق المصالح العربية العليا.
مراجعة العلاقات مع لبنان يفترض أن تكون بداية لمراجعة سياسة وأسلوب تقديم المساعدات، وإفهام كل من لا يقدِّر ما تفعله المملكة العربية السعودية أنه يجب أن يعرف أن الوقوف مع الأشقاء يخضع لتقييم، وأن زمن (الالتزام) أو (التعهدات) قد ولى، وأن الدعم سيقتصر على من يستحق ويقدِّر مواقف السعودية التي هي دولة.. دولة لها أهميتها وقوتها ومكانتها، وليست جمعية خيرية مفتوحة للجميع، المستحق وغير المستحق.