جاسر عبدالعزيز الجاسر
تواصلاً مع ما كتبناه أمس عن سكوت الدول والأنظمة عن المنظمات والجماعات والمليشيات الإرهابية، نذكر هنا بأن الدول التي تحكمها تفاهمات من بينها مليشيات قامت على الإرهاب وتنمو جراء تواصل عملياتها توصلت إلى أسلوب جديد يفرض سطوتها على الشعوب التي ابتليت بهذه المليشيات التي تسلطت لقمة السلطة فأصبحت تحكم وتهدد بالإرهاب كل من يعارضها حتى وإن امتلأت الساحات بالمتظاهرين المحتجين.
الأسلوب الجديد هو تجميع المليشيات والمنظمات الإرهابية تحت مسمى جامع يحمل إيحاءً (وطنياً) جامعاً، في حين هو في الحقيقة غير جامع سوى لمن ينتمون إليه كما هو حال ما يسمى بـ(الحشد الشعبي) العراقي الذي هو بالحقيقة حشد طائفي يضم المليشيات التي تنتمي إلى مكون طائفي واحد، ومع أن الهدف من وراء إنشاء هذا التجمع المليشياوي كان مواجهة تنظيم داعش، إلا أن الحشد الشيعي الذي يضم مليشيات حركة أمل، وما يسمى بأنصار الحق، وكتائب حزب الله، ومنظمات إرهابية وتجمعات إجرامية، تحول إلى أذرعة إرهابية تسعى إلى تكوين جيش موازٍ يسلب الجيش العراقي دوره العسكري, فالحشد الشيعي الذي لا يضم في صفوفه سوى أبناء المكون الواحد والذين يدينون بالولاء لأتباع الأحزاب الطائفية والتي جميعها مرتبطة بنظام ملالي إيران ولا تخجل من إعلان ولائها لولي الفقيه.
تجمع الحشد الشيعي نصب اثنين من أكثر قادة الأحزاب تطرفاً وعداءً للمكونات العراقية الأخرى، فجنرال الحرس الثوري هادي العامري الذي ورغم أنه شغل منصب وزير في حكومة نوري المالكي إلا أنه لا يزال يعمل في الحرس الثوري الإيراني وكان برتبة (عميد) والتي وإن لم يضعها على البدلة المرقطة التي يرتديها ويحرص على الظهور مع جنرال الإرهاب قاسم سليمان.
هذا الشخص الذي يعلن ولاءه في كل مناسبة لولي الفقيه علي خامنئي هو من يرأس الحشد الشعبي، أما نائبه فقد أسند إلى أبي مهدي المهندس وهو أحد المتطرفين الذي يترأس مليشيات تورطت في تنفيذ العديد من عمليات القتل والاغتيال لأهل السنة العرب وحتى من الشيعة العرب الذين يعارضون (بيعة ولي الفقيه).
من خلال هذين الشخصين اللذين لا يهمهما العراق ولا العراقيين ويعملان بصورة مكشوفة من أجل تنفيذ أجندة ملالي إيران تسعى طهران إلى فرض (الحشد) وجعله مؤسسة عسكرية موازية، بل وحتى أكثر أهمية من الجيش العراقي، المؤسسة العراقية العريقة التي أنشأت في العقود الأولى من القرن الماضي، وهو نفس ما قام به ملالي إيران الذين أنشأوا الحرس الثوري الإيراني الذي أصبح أهم وأكثر عدداً وعدة من الجيش الإيراني، من خلال إنشاء عدة فيالق وألوية عسكرية، وأقسام متخصصة فالقوات البحرية والقوات الخاصة للحرس الثوري أقوى بكثير من نظيراتها بالجيش الإيراني، كما أن الحرس الثوري الإيراني يضم إدارات متخصصة بعضها تهتم بالشأن الاقتصادي والتصنيع، بل إن المعلومات الواردة من إيران تذكر بأن الأنشطة النووية الإيرانية تدار من قبل الحرس الثوري الذي يمتلك مؤسسات ومصانع عسكرية ومدنية وأنه يهيمن على الأوضاع الاقتصادية في إيران، وأنه يمتلك مطارات يستعملها الحرس دون أي تدخل من الحكومة الإيرانية، كما أن للحرس رديف يتبع له متخصص في قمع الثورات الداخلية أو أي تمرد داخل إيران، وهذا الرديف وهو (البسيج) يعتبر الآن أوسع وأوحش تنظيم أمني وبوليسي يقمع الإيرانيين ويفرض عليهم الولاء الكامل لولي الفقيه.
ما وصل إليه الحرس الثوري الإيراني ورديفه الباسيج هو ما يسعى إليه من أنشأوا الحشد الشعبي الذي لا يختلف عن تنظيم داعش الإرهابي الذي يعمم إرهابه على الجميع في حين يحصر الحشد الشعبي العراقي إرهابه وإجرامه على أهل السنة العرب.