جاسر عبدالعزيز الجاسر
جميل أن نذكِّر بالرجال الذين خدموا الوطن والرواد الذين تركوا بصمات في تاريخ البلاد، بل البشرية.
سعود الفيصل أمير الدبلوماسية العربية والدولية الذي خدم وطنه وأمتيه العربية والإسلامية واحد من القلائل الذين لهم سجل حافل مليء بالعمل الوطني السياسي، رحل - رحمه الله- دون أن يدوّن سجله السياسي والدبلوماسي ليكون سفراً يستفيد منه الدبلوماسيون والسياسيون السعوديون والعرب والدارسون للعلوم السياسية في أي مكان.
جميلة مبادرة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والأجمل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لهذه المبادرة، وهي عقد المؤتمر الدولي عن أمير الدبلوماسية العربية «سعود الأوطان»، فالملك سلمان بن عبدالعزيز أكثر الأشخاص علماً بما قدَّمه الأمير سعود الفيصل الذي رحل قبل أن تسجَّل إسهاماته السياسية والدبلوماسية وجميعها دروس مهمة وخصوصاً أنه عاصر العديد من القضايا والأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية، وقبلها الهزيمة العربية عام 1967 ، ومن ثم تفجيرات 11 سبتمبر، ثم غزو دولة الكويت، وبعدها احتلال العراق، ثم اندلاع فوضى ما سُمي آنذاك بالربيع العربي، واندلاع التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية والمواقف الحازمة التي اتخذتها القيادات السعودية على مرّ العقود الماضية، وكان سعود الفيصل الرجل المنفذ لتوجيهاتها ومساهماً فاعلاً في تجسيد الفعل السعودي المؤثِّر في كل تلك الأحداث.. عمل دبلوماسي وسياسي متصل على مدار أكثر من أربعة عقود حفل بالعديد من الأحداث، وكان للفقيد دور فاعل ومشارك في تلك الأحداث، ومثل هذا المرء لا بد أن يكون خزانة كبيرة للمعرفة وللخبرة فضلاً عن الأسرار.
المؤتمر الدولي الذي سينظّمه مركز الملك فيصل، هل يستطيع المشاركون في هذا المؤتمر من متحدثين أو باحثين أو ممن قدّموا أوراق عمل أن يلموا بكل ما فعله وما قام به سعود الفيصل؟ أشك في ذلك؛ فأربعة عقود من الزمن مليئة بالأحداث التي تصدى لها سعود الفيصل تتطلب مؤتمرات وبحوثاً عديدة، وخصوصاً أنه لم يسبق لأحد أن استطاع أن يقنع الأمير سعود الفيصل بأن يتحدث عن إسهاماته، فأمير الدبلوماسية كان مشغولاً دائماً ويذكر من عمل معه أنه يكاد أن يكون مكتبه في الطائرات التي يتنقّل بها من مكان لآخر لمتابعة الأحداث الدولية، وأنه لا يرحم نفسه من كثرة العمل، ولعل هذا من أهم أسباب إصابته بـ»دسك» أتعبه كثيراً، ولعل كثرة انشغاله وتنقلاته لم تسعف أي كاتب أو إعلامي أن يسجّل تجربته السياسية والدبلوماسية وسيرته الذاتية مما حرمنا وحرم الدارسين من الدروس التي تحويها هذه التجربة الثرية.
نأمل ومعنا كل من يبحث عن تسجيل التاريخ التاريخ الدبلوماسي للسعودية التي تقود في هذه المرحلة مواجهة أعداء العرب أن يسهم مؤتمر «سعود الأوطان» في تقديم جانب كبير من سيرة أمير الدبلوماسية العربية لإثراء العلوم السياسية وبالذات العمل الدبلوماسي ويسلط أكبر مساحة من الضوء على ما قام به سعود الفيصل الذي غفل كثيراً عن تسجيل تجربته وإسهاماته التي يجب أن تدرس لكل من يسعى للعمل السياسي والدبلوماسي.