عبد الله باخشوين
ونحن صغار.. لا ادرى كيف شاعت بيننا كثير من الاوصاف السوقية و الغريبة عن البيئة التي نعيش فيها.. لكن لأن الطائف كان مصيفاً كبيراً وجميلاً لكل أهل المملكة فلابد أن نكون قد التقطنا بعض ما كنا نردده من ألسنة بعض المصطافين.. ومثلاً بدلاً من أن نقول (هيا نلعب كورة يا عيال).. كان كثير منا يقول: (يالله ندق كفر) وبدلاً من القول إن: (فلان لاعب حريف).. نقول (والله ياعيال يدق كفر).
وعلى طاري (يدق كفر) شهدت أيامنا تلك مباراة بين فريقين كبيرين انتهت بأكبر نتيجة لمباراة بين فريقين كبيرين في تاريخ الكرة السعودية.. كانت نتيجة المباراة هي (8-2) مقسومة على حارسين كبيرين وشوطين متعادلين (4-1) لكل منهما.
وسط دهشة الجمهور الغفير الذي حضر المباراة ونصف عينه على الفريق (اللندني) صفة للاعبين عادوا لتوهم من رحلة ترفيهية طويلة الى (لندن) مكافأة لفوزهم بالكأس.. واذا هم ومع بداية الموسم الجديد ينهزمون (ثمانية - اثنين) ليسجلوا بذلك اكبر نتيجة لهزيمة فريق كبير في تاريخ الكرة السعودية.. وإن كانت هذه النتيجة قد انقلبت على الفريق الفائز وشكلت نحساً وفألاً سيئاً والعياذ بالله من شرور بعض الافراح.
وعلى سبيل المثال فإن الموسيقار المصري الشهير (سيد درويش) الذي لحن نشيد (بلادي.. بلادي).. احتفالاً بعودة الزعيم السياسي الشهير (سعد زغلول) من منفاه.. وحفظته الجماهير الغفيرة التي احتشدت في ميناء الاسكندرية لاستقبال (سعد) وأخذت تردده لحظة وصول الزعيم.. في غياب ملحن النشيد الذي قضى نحبه في منزل شقيقته، أي انه مات لحظة وصول الزعيم ولم يحظ بشرف استقباله.
وقتل الرئيس المصري أنور السادات بطل حرب اكتوبر والصلح مع اسرائيل.. وهو على منصة الاحتفال بذكرى (حرب اكتوبر المجيدة) فيما نائبه حسني مبارك نائم تحت (الكراسي) يتقي الرصاص الذي انهال على المنصة من رشاش (خالد النبوي).. هذا وإن كان الرصاص الذي انطلق باتجاه جمال عبدالناصر في احتفال الإسكندرية الشهير قد توّجه زعيماً مطلقاً على مقدرات مصر وفكرة القومية العربية.
اما طه حسين وصلاح جاهين وام كلثوم فقد حظي كل منهم بجنازة متواضعة لا تليق بمكانته ومقامه وإنجازه.. لأنها جاءت متزامنة مع أحداث أخرى انشغل بها الشارع المصري عن سواها..
وفي لحظة فرح الاخرين من حوله سقط الفنان اللبناني الشهير (نصري شمس الدين) ومات على مسرح النادي الذي كان يشعل الفرح فيه.. وهي لحظة مأساوية اخرى تمت على مسرح (المفتاحة) بأبها الذي يشهد احتفالات وافراح اهل الجنوب في صيف كل عام.. حيث لم يتمكن الفنان طلال مداح من تجاوز أزمته فسقط على أرض المسرح وأسلم روحه لبارئها.
طبعاً كثيرة هي الاحداث المأساوية التي يمكن ذكرها رغم انها تكون قد بدأت كحالة فرح.. وسوف يصاب القارئ بغم ونكد.. بعد حكاية (دق كفر).. و النتيجة التاريخية لمباراة كرة قدم سعودية.. لابد من القول بأن الحياة لا تخلو من لحظات سعيدة كثيرة.. بل وكثيرة جداً.. شكلت لأصحابها أفراحاً توازي حاجتهم للفرح.
وبهذه الحاجة للفرح.. هناك صديق عزيز ( خاض) معي كل امتحانات الشهادة الابتدائية.. وحتى الان نلتقي بعد غياب طويل لا شيء يجعلنا نضحك بفرح اكثر من ذكرى امتحان مادة التاريخ حين قام بكتابة أغنية (ابكي على ما جرا لي ياهلي) لطارق عبدالحكيم كاملة على صفحتي الاجابة.. حتى يتلافى اشكالية تقديم (الورقة فارغة).
وطبعاً كنا حريصين على أن لا نذكر الحكاية امام اولادنا حتى لا يتعلموا الاهمال و(التنبلة).. ولم نذكر لهم اننا اختبرنا وهو في مدرسة (ابن عباس) وانا بالقرب منه في مدرسة (عداس).. وخضناها مرة ثانية (منازل).. ولم يفتح الله علينا ويساعدنا في الحصول عليها الا بعد أن اختبرنا في القسم (الليلي) مع طلاب اولادهم اكبر منا بكثير، ولأن المدرس المشرف على الامتحان.. كان يخجل منهم لأن معظمهم اكبر منه سناً.. فقد كان يتغاضى عن نقلنا للأجوبة من بعضنا البعض.. ويعطينا اجوبة بعض الاسئلة.. ولأن الامتحان صادف يوم 5 حزيران 1967 حين بدأت الحرب ضد اسرائيل.. فقد قام بحل اسئلة (الجغرافيا) كاملة وبين لنا حدود (الخريطة) المرفقة لأنها كانت خريطة فلسطين وكان وكنا من اشد الناس حماساً لفكرة القاء (اسرائيل) في (البحر).. وكانت اقذع شتيمة تطلقها على احد هي أن تقول له: (امشى يابن غوريون). غير أن الامتحانات انتهت ونجحنا بعد ان عرفنا اننا انهزمنا على يد (غوالدا مالير وموشي ديان). واصبحنا نسخر من انفسنا بالقول اننا خريجو (عام النكسة) ولمن لا يعرف.. كانت الشهادة الابتدائية في تلك الايام تمكن حاملها من الحصول على وظيفة لا يحصل عليها حملة الثانوية العامة في هذه الايام.. وطبعاً كل زملائنا الذين اكملوا دراستهم هم اليوم ملء السمع و البصر.