أحمد بن عبدالرحمن الجبير
من الطبيعي جداً أن تكون المعالجات لقضية التستر ليست بسهولة، كما أنها ليست في غاية الصعوبة، ولعلنا نستغل الظروف الاقتصادية، وبرنامج التحول الاقتصادي، لخلق تحول في السلوك والثقافة المجتمعية، للتخلص من مشكلة تؤرقنا وهي التستر، فنحن نتحدث عنه بإيجابية ولكن نتعامل بسلبية.
هناك حديث عن القضاء على التستر لكن الواقع مختلف تماماً، فهناك استغلال للمحلات والمنشآت التجارية، وشركات المقاولات الوطنية من قبل العمالة الأجنبية، وأصبح التستر ينافس المواطن في كل النواحي التجارية، وأعتقد جازماً أن لدى الجهات المعنية من الرؤية الصائبة الكثير، وأنهم يتطلعون دائماً بأن يكون المواطن السعودي المستفيد الأول وجوهر التنمية.
وهنا يحتاج الأمر إلى تعزيز الدوافع لدى المواطن لكي يباشر أعماله بنفسه، أو عبر موظفيه، والأمر الآخر تقليص عدد العمالة في قطاعات يمكن أن يشغلها سعوديون، وبذلك نحقق أهدافاً عدة في هدف واحد، إضافة الى عوامل الرقابة المختلفة، ومع ذلك لا نلقي الاتهام على الأجنبي الوافد بقدر ما يجب أن تعزز قيم المواطنة لدى المواطن السعودي، بما يضعف هذه الظاهرة.
إن الاقتصاد غير المنظم لا يضيف أي فائدة للاقتصاد الوطني، لأن التستر يتسبب في عدم نمو الاقتصاد في أي بلد، ويعمل على تشويه مؤشرات الأسعار، ومعدلات البطالة، ومعدلات النمو الاقتصادي، كما أن التستر التجاري يعمل على زيادة الطلب على النقود، ويؤثر على السياسة النقدية، فالقوانين غير الفعالة لمحاربة التستر تعتبر ضعفاً في الإجراءات، والأنظمة الخاصة بالتستر.
لقد بدأت انعكاسات التستر التجاري السلبية تظهر في بلادنا منذ سنوات عديدة، وأصبح للتستر تأثير كبير على الأمن والمجتمع، والاقتصاد الوطني، وصار سبباً في زيادة مشكلات البطالة، وانتشار الجريمة، والمخدرات والتزوير، وغسل الأموال.
وتشير الإحصاءات أن قيمة ما يتم تحويله من العمالة سنوياً إلى خارج المملكة في ازدياد، والسبب أنه لا يوجد نظام محاسبي في المنشآت الصغيرة، والمتوسطة والكبيرة، مثل محلات بيع التجزئة، والبقالات ومواد البناء والمطاعم وغيرها من المحلات الأخرى، وكذلك شركات المقاولات، كما أن معظم المهن في جميع القطاعات تعتمد على الأيدي العاملة الأجنبية، مما شجع البعض على الاستعانة بالعمالة المخالفة، وأصبح مجال التستر منتشراً في كل مكان، رغم أن الإجراءات الأخيرة لوزارة العمل بدأت تأتي بمفعول إيجابي.
لذا يجب مراقبة محلات الصرافة والحوالات المالية، والحسابات البنكية، وتحديث القوانين بخصوص المؤسسات المالية، وغير المالية، وحثهم على عدم إجراء أي تعامل مالي أو تجاري أو غيره باسم مجهول، والتحقق من هوية المتعاملين، ووضع الإجراءات الرقابية، واستحداث جهاز أمني يكافح التستر للحد من ظاهرة التستر، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الداخلية، ووزارة العمل، ومؤسسة النقد.
ونأمل من الجهات المعنية أن تتخذ إجراءات قوية وصارمة على تحويلات المقيمين، والمنشآت التجارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ورصد عمليات صرف الأجور لجميع العاملين في هذه المنشآت من خلال قواعد البيانات والمعلومات، ووضع الأنظمة والقوانين الفاعلة لتنظيم سوق العمل المحلي وإصدار تنظيمات قوية في العديد من المهن بحيث تكون مقتصرة على المواطنين مثلما تقوم به دول العالم.
ويفترض التأكيد على جميع الشركات والمؤسسات والأسواق التجارية بعدم استخدام العمالة الأجنبية في الوظائف الإدارية والمالية والمحاسبة، والعمليات الأخرى، ووظائف الخدمات، وعلى الجهات المعنية القضاء على ظاهرة التستر، بتكاتف كافة الجهات ذات العلاقة، ووضع الدراسات والبحوث التي تركز على رفع درجة وعي المواطن، وتعريفه بالآثار السلبية التي تنتج عن التستر وتشغيل العمالة المخالفة.
وكل ما نرجوه أن ينظر للفئات الوطنية ذات الاستثمارات الفردية والصغيرة والمتوسطة نظرة إستراتيجية بعيدة المدى، وذلك ليستشعر المواطن السعودي بقيمة العمل الحر، وقصر العمل في محلات بيع المواد الغذائية، والكهربائية، والبناء، والكمبيوتر، وقطع السيارات على المواطن، حتى يقتنع بأن العمل الخاص أكثر جدوى من البحث من الوظيفة الحكومية، وبدلاً من البطالة التي سيكون لها آثار سلبية على أمن الوطن والمواطن.