أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تكاد تكون زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله - إلى الصين عندما كان وليا للعهد واحدة من أبرز الزيارات الناجحة، لكونها خطت طريقا جديدا في العلاقات السعودية الصينية، فقد جاءت الزيارة ضمن سياسة تنويع العلاقات السياسية والاستراتيجية، وهذه الزيارة وما نتج عنها كانت بمثابة رؤية استكشافية مبكرة لسياسة الملك سلمان الجديدة، والقائمة على الفعل والتأثير، والحزم والحسم وتنويع العلاقات.
لقد كرست هذه الزيارة لملامح تعاون استراتيجي مشترك بين الصين والمملكة، وأبانت حينها عن رؤية الملك سلمان - أيده الله - في الانفتاح شرقا على الصين، والانفتاح على روسيا أيضا، والذي تمثل في الزيارة الاستثنائية لسمو ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، لتكشف لنا مرة أخرى عن الرؤية الجديدة لهندسة العلاقات السعودية الدولية، في تعزيز التعاون الأمني، ورفض الإرهاب بجميع أشكاله، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية.
هاتان الزيارتان على الرغم من تباعد المسافة بينهما، الا إنهما مؤشرات على ان المملكة لديها قراءة دقيقة لحجم التحولات السياسية والاقتصادية العالمية (الجيوبولتكس) العالمي الجديد الذي يبنى على القواعد الاقتصادية، ولهذا فإن الصراع في الشرق الاوسط، هو صراع على النفط والغاز اولا وأخير، ولولاه لما جاءت الجيوش والقواعد الجوية والعسكرية الغربية، وعليه فإن ما يقال عن تراجع مكانة النفط في السياسة الدولية ليس دقيقا وليس حقيقيا.
ولهذا تسعى حكومة خادم الشريفين إلى بناء تحالفات جديدة تخدم مصالحها، ومصالح العالم العربي والإسلامي، وهو ما يغلق الطريق أمام المشككين في علاقات المملكة المتميزة مع الغرب، وتأكيد رغبة المملكة في تنويع علاقات التعاون بينها وبين أي بلد في العالم المحب للسلام في مجال الاقتصاد والأمن، والنفط والطاقة، والصناعة والتقنية، وذلك للخروج بأكبر النتائج الممكنة لصالح الوطن والمواطن.
تعتبر المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، نتيجة للتبادل التجاري بينهما، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى المملكة بنسبة (170%) في الفترة الاخيرة، وأيضا نمت الصادرات السعودية إلى الصين، وكان من أبرز الصادرات الصينية إلى المملكة الملابس والمنسوجات، وأجهزة التكييف، والمنتجات الميكانيكية والإلكترونية، أمّا أبرز واردات الصين من المملكة فهو النفط والغاز المسال، ومواد الخام من البتروكيماويات.
وجاء هذا النمو الهائل نتيجة الطلب الصيني على الطاقة، وأصبحت الصين أعلى مستورد للنفط من السعودية، والثاني في العالم بعد الولايات المتّحدة، وصارت تستورد كميات كبيرة من النفط السعودي، حيث كان حجم التبادلات التجارية بين السعودية والصين اكثر من 267 مليار ريال ما يعادل 71.5 مليار دولار، وبلغت قيمة الصادرات 189 مليار ريال ما يعادل 50.4 مليار دولار والواردات 78.4 مليار ريال ما يعادل 20.9 مليار دولار.
لذا يفترض العمل على تطوير وتنمية العلاقات الاقتصادية السعودية الصينية، والاستفادة من الفرص المتاحة، ومنح التسهيلات لجميع المستثمرين من الجانبين، لتشجع القطاع الخاص في كلا البلدين على إقامة المشاريع الاستثمارية والتجارية، والصناعية من خلال أعمال (اللجنة السعودية الصينية المشتركة) ودعم الاتفاقيات الاستثمارية المبرمة بين الطرفين، لتنفيذها خلال الفترة المقبلة، خاصة في مجال البتروكيماويات والتقنية والطاقة.
ونأمل أن يكون هناك إرادة سياسية بين المملكة والصين، لتشجيع الاستثمار المتبادل، وعلى (هيئة الاستثمار السعودي) جذب شركات صينية عملاقة واستثمارات جديدة، وتسهيل الاجراءات والخدمات لهم في ظل وجود عدد من الشركات الصينية التي تعمل في السعودية، ووجود كثير من المستثمرين الصينيين الراغبين في الاستثمار في السعودية، وأيضا دعم الاستثمار السعودي في بكين وتسهيل الاجراءات والخدمات له على شاكلة (مركز شركة سابك السعودية) في شنغهاي الصين.
ونأمل تعزيز التعاون في مجال الطاقة، لضمان استقرار اسعار النفط العالمية، وتفعيل دور آلية (اللجنة السعودية الصينية المشتركة) للاستثمار في المجالات الاخرى مثل تحلية المياه، ودعم الكهرباء، والسكك الحديدية والطرق والجسور، والاتصالات والموانئ والمطارات، ومجالات الفضاء، والصحة والتعليم، والبحوث العلمية والسياحة، والفعاليات الثقافية والرياضية والمهارات المهنية، بما يحقق الاستقرار والتنمية الاقتصادية المستدامة للسعودية والصين.