محمد المنيف
من المؤكد أن للفن التشكيلي نصيباً من مقولة (لولا اختلاف الآراء لبارت السلع) التي تنطبق على كل سلعة تعرض في المكان المخصص لبيعها، ومنها الإبداعات التشكيلية التي أصبح لها قاعات عرض على أرض الواقع مع ما أتيح من فرص أكبر عبر سبل التواصل (السوشيال ميديا).
يأتي اختيارنا لهذه المقولة نتيجة ما نراه من تعدد سبل التعبير والتنفيذ في الأعمال الفنية على ما تعود عليه المقتنون للفنون من المستثمرين أو من محبي جمع الأعمال الفنية باعتبارها ثروة وطنية خصوصا إذا كان مبدعها فنان من أبناء الوطن.
ونعني بالتعود ما عُرف عن الأعمال الفنية التي لا زال يتداولها أصحاب المتاحف أو يتبادلها المروجون لهذه الأعمال لقربها من عقل المتلقي واهتمامه بها، باعتبارها إرثاً يحمل روح وواقع البيئة والمجتمع من مناظر طبيعية أو حياة اجتماعية اندثر الكثير منها وبقت حية في اللوحات والمنحوتات. ولو عدنا إلى ما يحدث في هذا العصر الأكثر تحركا وتبدلا في مجال فنون تحول غالبيتها للأسوأ، نتيجة ما يقدم فيها من أعمال لا روح ولا رائحة لا تبقي في الوجدان سوى التندر يقوم بها فئة من الشباب عصفت بهم أعاصير الحداثة وزوابع التغريب لطمس ثقافتهم، تولى إدارتهم من لا يعون معنى الهوية أو الأصالة.
هذا التنوع من الأعمال أو سبل التنفيذ لا تجد قبولا أو اهتماماً إلا من أصحابها ومن يشاركهم التوجه من بعض المثقفين، ولا تجد معارضهم الإقبال أو الحضور إلا من الفنانين ممن يدهشهم هذا التحرر أو ممن يمرون مرور الكرام، وإذا عدنا للعنوان فإننا سنصل إلى قناعة تامة بأن هؤلاء التشكيليين يعيشون حالة من الحيرة بين إرضاء الذات وتقديم ما يرون أنه يرفع من شأنهم ويجعلهم مبدعين متحررين من قيود الماضي الفني، وبين رغبة المتلقي وهم العامة الذين يبحثون عن أعمال ذات مواصفات تقارب ما تعارفوا عليه وشاهدوا الاهتمام به في المتاحف أو المعارض في كل دولة قاموا بزيارتها ويحمل هوية وأصالة واقعهم.
الحيرة هنا تكمن في كيفية تقديم أعمال تكسبهم الحسنيين (المال والإعجاب) دون التخلي عن توجههم الحديث، وما حققوه من كلمات إشادة لا تشكل أهمية لا في العدد ولا في مصادرها، كونها تشبه دعوات المراكبية في مصر عند طلبهم مشاركتهم طعامهم لمن يقابلهم رغم سرعة مرور مراكبهم ببعضها البعض في نهر النيل، وبعد المسافة بين المراكب لكنها جزء من صفات الكرم، فمن يمر بهؤلاء الفنانين ويمنحونهم الإشادة هم عابرو سبيل مع ما يكتب لهم في سجلات المعارض أو ما ينشره البعض من رأي لا يعني الغالبية إضافة إلى الأصدقاء أو الأقارب.
هؤلاء يذكرونني بمن أراد كسب لحم يوم العيد في منفوحة وعيد الديرة فلا هم كسبوا قيمة الاقتناء المادية ولا هم كسبوا إعجاب الغالبية.