فضل بن سعد البوعينين
لم تعد الموارد الطبيعية من أساسيات تحقيق النمو والازدهار عالميًا. تعتمد أغلبية الدول الصناعية المتطورة على الفكر والمعرفة لبناء اقتصادياتها من الداخل وتحقيق التنمية المستدامة وبما يضمن لها تنوعًا اقتصاديًا؛ ودخلاً يفوق في مجمله مداخيل أغلبية الدول النفطية. ندرة الموارد الطبيعية حفزت الدول الصناعية على العمل وفق معايير صارمة لبناء اقتصادياتها التي اعتمدت في أساسياتها على الإبداع والابتكار مستفيدة من مخزون المعرفة التي نجحت في تشكيلها منظومة التعليم والتدريب المتكاملة. وعلى العكس من ذلك؛ اعتمدت دول النفط؛ ومن ضمنها السعودية؛ على إيراداتها النفطية لتمويل احتياجاتها التنموية؛ ما أبعدها كثيرًا عن تحقيق أسس التنمية المستدامة وتنويع اقتصادياتها ومصادر دخلها.
نجحت كوريا الجنوبية في حفر اسمها على خريطة الدول الصناعية المتقدمة برغم ضعف مواردها الطبيعية. اعتمدت التعليم قاعدة لتحقيق التنمية المستدامة؛ ما ساعدها على تحقيق النجاح في قطاعات الإنتاج التقليدية ثم تحولت نحو الاقتصاد المعرفي مستفيدة من نظامها التعليمي المحفز على البحث، الابتكار، الإبداع والتطوير؛ إضافة إلى تحولها السريع نحو التقنيات الحديثة التي أصبحت تتحكم في اقتصاديات العالم.
تُبنى الاقتصاديات الحديثة على قاعدة البحوث العلمية، والابتكارات، والأفكار الخلاقة. المعرفة أساس التنمية؛ ولا يمكن للدول والمجتمعات المضي في تطوير اقتصادياتها بمعزل عن روافد المعرفة؛ والإبداع والابتكار. المهندس خالد الفالح؛ وزير الصحة السعودي ورئيس مجلس إدارة «أرامكو السعودية»، أشار في «منتدى التنافسية» إلى أن «المملكة تعمل على تنويع مصادر الدخل والاتجاه إلى الابتكار والإبداع في الاقتصاد وجعله قائمًا على المعرفة» وهو هدف قديم يتجدد مع كل هزة لأسعار النفط وانخفاض الإيرادات الحكومية؛ وعلى الرغم من إيماننا التام بأهمية تلك التوجهات؛ إلا أن المحركات الدافعة لتحقيقة ما زالت ضعيفة برغم سقف التطلعات المرتفع؛ والبرامج التي يبدو أنها باتت أكثر إصرارًا عمّا كانت عليه من قبل.
لا يمكن تحقيق الأهداف الطموحة بالأمنيات والوعود؛ بل يجب أن تحكم بإستراتيجية دقيقة وبرامج نوعية وعمل دؤوب مشترك وأدوات قياس قادرة على التقييم والتوجيه والضبط والمحاسبة. يصعب تحويل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد معرفي بالأدوات المتاحة حاليًا؛ خاصة منظومة التعليم التي تحتاج إلى إعادة هيكلة لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية.
المهندس الفالح أشار أيضًا إلى «وجود نحو 500 ألف وظيفة في الخدمات البحرية على الساحل الشرقي للمملكة سترى النور قريبًا»؛ وهو رقم كبير ولا شك؛ ويصعب تحقيقه بسهولة. قد تكون هناك استثمارات مشتركة لمشروعات بناء السفن في رأس الخير؛ وإدارة الموانئ وغيرها من الخدمات البحرية المتنوعة؛ إلا أنها لا ترقى لتوفير ذلك الحجم المهول من الوظائف.
المهندس الفالح أشار أيضًا إلى نمو الاقتصاد بمعدل 5 في المائة؛ وأكَّد على أن اقتصاد البلاد سينمو «على مدى الـ50 عامًا المقبلة بمثل هذا النمو أو أكثر».
تُرى من يستطيع ضمان ما سيحدث في الخمسين سنة القادمة؟؛ وهل يمكن تأطير هذه الوعود بمنظومة علمية دقيقة؟!.
ضبط التصريحات الرسمية؛ وجعلها أكثر واقعية يعزز من ثقة المواطنين بالبرامج الإصلاحية والوعود الحكومية؛ والعكس صحيح. كانت المؤشرات الاقتصادية؛ خاصة ما كان متعلقًا منها بالوظائف؛ من عيوب وزارتي العمل؛ والاقتصاد والتخطيط؛ ويبدو أنها بدأت بالتسرب إلى الوزارات الأخرى التي يفترض أن تكون أكثر تحفظًا.
الدكتور توفيق الربيعة؛ وزير التجارة والصناعة؛ أكَّد في مشاركته في «منتدى التنافسية» تسهيل خدمات القطاع الخاص؛ وتشجيع اندماج الشركات والاستحواذ؛ وتحقيق معايير التنافسية. ولعلي أذكر معاليه باحتياجات القطاع الصناعي في مدينة الجبيل الصناعية الذي يستأثر بما يقرب من 80 في المائة من الاستثمارات الصناعية غير النفطية في المملكة؛ المتمثلة في إيجاد غرفة صناعية مستقلة تدعم القطاع الصناعي وتسهم في تنميته وتوفير كامل الخدمات التي يحتاجون إليها. طلب مشروع ومستحق؛ تدعمه أنظمة وزارة التجارة؛ وحجم استثمارات القطاع الصناعي والتجاري في الجبيل. تحقيق معايير التنافسية ودعم القطاع الخاص يستدعي تحقيق العدالة في قطاع الأعمال؛ وعدم بناء القرارات على أسس تفضيلية منحازة. أما تشجيع الاندماج؛ فربما يكون فشل اندماج شركتي «الصحراء»؛ و»سبكيم» شاهدًا على ذلك التوجه الخجول!!. منصة «منتدى التنافسية» يجب أن تكون أكثر ارتباطًا بالواقع؛ وانعكاسًا حقيقيًا لما يمكن تنفيذه؛ أو الإعداد لتنفيذه مستقبلاً؛ بعيدًا عن الوعود الفضفاضة؛ والإنجازات غير المحققة.
عودًا على بدء؛ أجزم أن الاستثمار في بناء الإنسان هو الخيار الأمثل لمواجهة التحديات، وتحقيق التطلعات في عالم تحكمه العلوم والتقنية وتسيطر عليه الاختراعات؛ وتتجاذبه القوى الاقتصادية التي اعتمدت في بناء قوتها على المعرفة والابتكارات الخلاقة. بلوغ العالمية لا يمكن أن يتم إلا من خلال التسلح بالمعرفة، والتوسع في بناء الفكر وإرساء قواعد التنمية البشرية الحديثة؛ وهو الحلم الذي يطمح لتحقيقه الجميع.