سعد بن عبدالقادر القويعي
بعيداً عن الخوض في معترك جدلية حادثة «فتاة النخيل»، وبياناً للوعي الجمعي الذي اسُتلِب؛ من أجل خلط المفاهيم بين الدين، وتعاليمه السمحة، وبين ممارسات بعض أعضاء الهيئة الميدانيين، فإن المؤمل أن تُعطي هذه الواقعة عناية على تقديم الحلول المناسبة لكل حالة ميدانية - على حدة -؛ حتى لا تكون وظيفة الحسبة مرتبطة في أذهان الكثيرين من شرائح المجتمع بالغلظة، والرهبة، والتسلط، والتدخل في خصوصيات الآخرين.
من أكبر التحديات التي تواجه تطبيق مبدأ الاحتساب، والإنكار على أرض الواقع، تحديد نوع المنكر، ودرجته في الشريعة، وحالته؛ من أجل تحديد الموقف المناسب قدْراً، وكيفاً تجاه المنكر؛ ولأن الصورة الذهنية عن جهاز الهيئة في أذهان بعض الناس، هو العمل في الميدان باستخدام العنف؛ لعسف الناس بالقوة، وإخضاعهم نحو اتباع التعليمات، فإن ما يجب أن نؤكد عليه في مجال الاحتساب، والإنكار، بأنهما ليسا محلًّا للاجتهادات المندفعة غير المحسوبة؛ مما يستلزم توفير المشورة بين قيادات الهيئة الميدانيين حول تلك المنكرات؛ من أجل التخطيط، وإيجاد البدائل، وقراءة الأثر، ورد الفعل المتوقّع، والوقت المناسب للقرارات، وخطوات التنفيذ.
بعض المنكرات تتراوح ما بين مسائل تعتبر في الشريعة الإسلامية صغائر، أو مما يسعه الخلاف الفقهي، - إضافة - إلى أن بعض المنكرات أصبحت حالة ذهنية، أكثر من كونها مسألة تخضع لتصنيف معين، - وبالتالي - فإن إظهار الأصول المتفق عليها في تحديد المنكر، وتجليةً لهذه الأرضية المشتركة، يتبلور عنه مبدأ تقنين المنكر، وكيفية الاجتهاد الصحيح حول تطبيقه؛ ليكون نبراس الانطلاق نحو تحقيق المصالح، ودرء المفاسد. كما أن من الأخطاء، تصوير حالة من التماهي بين الهيئة كجهاز، وأعضائه، وبين شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكأنهما شيءٌ واحد، - وفي تقديري - أن تكريس الأخطاء المتكررة، هو نتاج التغافل عن النقد، والمراجعة لعمل أعضاء الهيئة الميداني.
إن تمكين الأمة من اختيار القويّ الأمين؛ ليأخذ بمقدراتها، ويوجهها لصالحها، ويخطط لمستقبلها، ويتفانى في ذلك، هي عملية يجب أن تبدأ من تصحيح الفهم، والفقه بالمقاصد، واستحضارها؛ حتى يصبح تحقيق المصالح العامة لشعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من مقتضيات جذبنا للتدين؛ وحتى يمكن اعتباره داخلاً في وعاء تحقيق المناط، - سواء - سميناه استحساناً، أو استصلاحاً، أو سياسة شرعية؛ ولتكون موزونة بميزان المصالح، والمفاسد، ومعتبرة بمعيار الشرع الكلي، والجزئي، ومعيار العقل الفاحص في كل قضية ميدانية.
كتبت مرة: أنه يجب أن تكون المنكرات منصوصًا عليها في النظام، فما استوجب الإنكار قُنن؛ حتى لا تبقى تقديرية للمحتسب. وإذا كانت المنكرات ليست على مستوى واحد، فإن الإنكار عليها لا يكون على مستوى واحد، ثم إن هناك فارقًا كبيرًا بين الإنكار في مسائل الاجتهاد، والإنكار في مسائل الخلاف، - إضافة - إلى أن من الشروط المعتبرة عند أهل العلم في تغيير المنكر، هي : القدرة على التغيير، - وسواء - كانت القدرة مادية، أو معنوية؛ ليكون ذلك متوافقًا مع طبيعة النظام السياسي الإسلامي، فقضايا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من القضايا الكلية التي تمس المجتمع ككل. كما يجب التفريق بين المنكر اللازم، والمنكر المتعدي في الإنكار، - سواء - في درجة الإنكار، أو في العقوبة، - ومثله - التفريق بين المنكر المتفق عليه، والمنكر المختلف فيه.