د.عبد الله بن سالم الزهراني
من منا لم يقل كلمة أو جملة أو عبارة لصديق أو لحبيبة وزوجة أو لقريب أو بعيد ويأسف فيما بعد عليها؟ من منا لم ينفعل عاطفيا أو غضبا ويخرج منه لفظ كخروج السهم من الرمية؟ هذه اللفظة قد تدمي وقد تنكأ جرحا، وقد لا ينفع معها عذر ولا اعتذار ولا تبرير. وقد يتم في بعض الحالات التفهم والعفو والصفح عنها خصوصاً بعد توضيحها أو الاعتذار عنها.
أظن من يقول انه لم يحدث منه هذا فهو يدعي المثالية، لذا عليه أن يبحث عن مدينة أفلاطون الفاضلة ليعيش فيها إن وجدها. ومن المؤكد أنه لن يجدها لأنّها حلم لم يتحقق، وبعض معاييرها لا تروق.
ظهر للبعض أنك وقعت يا شيخ علي المالكي ولم يسم عليك أحد، أو لنقل لم يبسمل عليك أحد، البسملة التي مضمونها أن يدفع الله عنك الشياطين عندما تقع على الأرض أو توشك أن تقع، ولكن ربما بسمل عليك البعض بطريقة مضمونها راجع نفسك وبالذات عقلك، وربما لسان حالهم يقول الحمد لله على سلامة العقل. ولا أشك البتة في سلامة عقلك وإن زل لسانك أو خانك التعبير.
عندما كنا صغارا وتذبح الذبيحة يعطى لنا الجزء الأثخن من الأمعاء الغليظة لننفخ فيه بدلا من البالونة، لأنه في ذلك الزمن لم يكن لدينا في القرى بالونات وإنما (لدينا معي، أي مصران غليظ ننفخ فيه) ويتضخم النفخ ويظل معنا لساعات ونحن الصغار نتبادل النفخ فيه حتى ينفجر، وننتظر مصرانا آخر لكي ننفخ فيه من ذبيحة أخرى. هذا إذا لم تتخطفه الحدأة من بين أيدينا على غفلة قبل أن ننعم بالنفخ.
تناولت وسائل التواصل الاجتماعي ما نعتَّ به المرأة يا شيخ علي بأنها عار بشكل لافت وبعنف شديد. انبرى العديد من النساء والرجال للتصدي لما قلت، تحدث الاستاذ قينان الغامدي للعربية عندما سئل هل هذه الكلمة التي قالها الشيخ المالكي عند تبريره متداولة في الجنوب عن المرأة؟ فأجاب بإيجاب منقوص، وانقض على المالكي وشهادته المزورة كما يذكر في البداية، ثم انقض على الشيخ النجيمي ومن هم على شاكلته. لقد حرَّكت ساكنا لدى الاستاذ قينان الذي أقدر له الكثير من كتاباته واستحسن البعض واختلف مع البعض، ولعل ذلك أمر طبيعي. ولكن في بطنه شيء جعله يمتطي لفظتك الجارحة ليقول رأيه تجاه فئة سمَّى البعض وتغافل عن البعض ربما لكثرتهم. قد لا أتفق معه ولكن أتيحت له الفرصة وعبَّر عن وجهة نظره وهو قادر عن الدفاع عما قال. ولم يتأخر الشيخ النجيمي في الرد الذي تشخصن في الأمر وهذا ما لا يسعد الكثير من المتلقين. ولم يسلم الاستاذ عبده خال من أن تستفزه تلك اللفظة وتستنفره - الذي أقدر له جهوده الأدبية ومقالته وأحترم غالبيتها - رغم أنه يرمي بشرر. أشعل شرره، الأمر الذي دفعه الى أن يخرج شرارة تقول عار علينا إن سكتنا. ولا ألومه كثيرا لأنه عدّ قول الشيخ فيه نوع من التعنصر والعنصرية ضد المرأة كإِنسان، وهذا التعنصر قد يطال الاستاذ عبده خال وربما طاله وغيره كثير من أفراد المجتمع قرى وقبائل وشخوصاً، ليس من المالكي ولكن ربما من فرادى وجماعات تجاه بعضها البعض.
يا شيخ علي لقد أوجدت مصرانا غليظا للنفخ وزاد حجمه وتضخم وسأنفخ مع من نفخ لا لأضخمه ولكن لأفرقعه إن أمكنني ذلك لينكشف عوار أمور أخرى.
أولاً : لا شك أنك قلت كلمة جارحة مؤلمة ترقى إلى أن تكون مخزية في نظري ونظر الغالبية من النساء والرجال خاصة عند اختزالها، كما أنها صدرت من إِنسان له مكانة كداعية وكمتحدث من المفترض ألا تنقصه اللباقة وحسن اختيار اللفظ. كما قيلت في أيَّامنا هذه لجيل بعقلية مختلفة ومن المفترض أن تكون مستنيرة بدرجة استنارة المرأة التي تفوق أكثر من نصف المجتمع بكثير، ليس عددا فقط وإنما مسؤولية وعملا وجهدا ومكابدة. جاءت في ساعة غير موفقة ومناسبة غير موفقة. حاولت أن تبرر وتقول إنها كلمة مألوفة لدى أهل الجنوب وأن المقصود بها الشرف وليس الإهانة للمرأة أو الانتقاص من مكانتها واعتبر محاولتك جيدة. من حق المجتمع عليك أن توضح وتتراجع إذا لزم الأمر وتعتذر. ربما ورد في عقلك الباطن عندما حاولت أن تبرر وتعتذر وتقول : إنه في زمن ليس ببعيد كان الرجل في الجنوب وغيره من أرجاء المملكة، عندما يتحدث عن امرأة يقول وأنت الكرامة أو الله يعزك. حاولت القول إن المرأة ذاتها عندما تتحدث أمام رجال من أقاربها يسألونها عن امرأة أخرى حول صحتها ولماذا لا تشتغل أو تفعل كذا وكذا، تجيبهم بالقول إنها نفاس الله يكرمك، أو إن لديها مغصاً بسبب حرمان الصلاة أي مانع الصلاة أي الدورة الشهرية الله يعزك. كان البعض من الرجال عندما يهدد أحدا يقول إذا ما فعل كذا وكذا وإلا فإنه سيُعدُّ نفسه امرأة. والبعض كان يقول لحيته على امرأة أو شنبه إذا ما كان هذا الأمر صحيحا أو إذا لم ينفذ ما التزم به. ربما كان في عقلك الباطن كيف كان الرجال هم من يقدم لهم الأكل أولا ثم بعدهم النساء. ربما ورد في عقلك الباطن خواطر كثيرة عن المرأة والنظرة الدونية لها مع قبولها بذلك كرها.
إذاً هذه ثقافة سادت في حقبة زمنية بشكل أو بآخر بصيغة أو بأخرى في سائر أرجاء المملكة ولا زالت رواسبها تورث لدى البعض للأسف وأربأ بك أن تكون لديك هذه الرواسب. هذه كانت ثقافة مجتمعية لا علاقة لها بالدين لا من قريب ولا من بعيد، ورغم ذلك فإنَّ محبة الأم والأخت وكل الأقرباء من الإناث لم تكن مكان شك بشكل فعلي من قبل الرجال في أي مكان من المملكة.
عندما كان أحد يقصر في أي جوانب تتعلق بزوجته وأخواته أو أمه القاطنين معه في بيت واحد، ويدرك الناس ذلك فإنهم ينصحون المقصر ويقولون عيب عليك هذا التقصير وبأن هؤلاء النسوة عارك ومعورك. وهذا لا يعني أنهن عار عليه يجب أن يتخلص منه، حاشا وكلا ثم حاشا وكلا، وإنما العار المقصود هو تقصيره في الحفاظ عليهن والعناية بهن وتلبية احتياجاتهن وتقدير ظروفهن. لأنه لو تخلى أو قصر فسيكون عرضة لأمور قد تصل إلى درجة يعير من قبل المجتمع رجالا ونساء لتقصيره تجاههن، لكن لم يُقصد بها في أي مرحلة وفي أي حال بأن النساء عار. النساء لم يكن عارا على أي رجل في أي من مناطق المملكة في أي مرحلة من مراحل التاريخ، لكن قد يُعيَّر الرجل بسبب تقصيره في أداء واجبه تجاه أقاربه من النساء.أعتقد أن هذا ما استحضره الشيخ علي المالكي بشكل غير موفق عن ومن حقبة زمنية سابقة، لكن أنا أثق أنه لم يكن يقصد إهانة أمه وأخته وزوجته وابنته وخالته وعمته.
ثانيا : حديثه عن المرأة ابتسر واختزل في كلمة العار من قبل الكثير ممن تناوله واقتصر على تلك الكلمة. ظهر لي من الحديث بلقطة سريعة أنه كان حول الزواج وعن التعنت والوقوف من بعض الآباء ضد تزويج بناتهن والشروط المجحفة دون مبررات مقبولة، فانفعل الشيخ المالكي حنقا على ما يبدو على المتعنتين من الآباء وقال ما قال. ولا ابرر له قوله البتة ولا أوافقه على اللفظة ولكن في نفس الوقت لا أبرر عدم إعمال العقل والغوص ومناقشة الرجل ومطالبته بالتوضيح والاعتذار. ولا أبرر التقاط المفردة مجردة من سياقها ومن مفهومها اللفظي العميق وتحليله. لا يعقل أن يكون الحكم ظاهريا باللفظ مجتزأ مبتسرا.
يا قوم المرأة محصنة علاقتها بأقربائها ومجتمعها. ليست عارا ولا شنارا بذاتها ولكن العار والخيبة لمن يقصر في حقها ويتجاوز على حقوقها ويستمر في اعتبارها الحلقة الأضعف في الأسرة. يتكلم نيابة عنها ويعبر عن رأيها ويهضم حقوقها الشرعية المشرعة. العيب تزويجها قاصرا. العار تزويجها غصبا وظلما وجورا دون قبول منها. العيب الزواج عليها دون مبرر قوي ويكتفى بالقول إن الشرع حلل أربعاً، وينسى العدل والقدرة المالية والقدرة الجسدية وأموراً أسرية أخرى. ينسى مشاعر المرأة وأحاسيسها وكينونتها ووجودها. العيب أكل رواتبها من قبل أبيها أو زوجها. العيب لي ذراعها من قبل الزوج عند طلبها الطلاق عندما تسوء العشرة بسببه ثم يطالبها بالتخلي عن كل شيء وبدفع كامل تكاليف الزواج وكأنه افتداء لنفسها. وهناك الكثير من العيوب تجاه المرأة من قبل الرجل. وعيوب المرأة قد تكون كثيرة ولكنها لم تصل إلى المساواة مع عيوب الرجل تجاهها. رغم مطالبة المرأة بالمساواة في أمور كثيرة إلا أنها من المؤكد لن تطالب به في هذا الشأن.
تعالوا بنا نعرِّج على بعض التساؤلات لمحاولة فرقعة المصران الغليظ ليتوقف النفخ فيه.
ماذا نسمي حرمان المرأة وعدم تمكينها من قيادة السيارة؟ هل نسميه عيبا؟ هل نسميه حراما؟ هل نسميه عارا مجتمعيا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن المملكة العربية السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي لم تمكن فيه المرأة من قيادة السيارة. كما أن المملكة العربية السعودية قد تكون البلد الوحيد الذي يكاد يكون لدى كل أسرة سائق أجنبي. ماذا نسمي وجود هذا السائق الأجنبي الذي بكل سهولة يمكن أن نستغني عن مليون سائق بتمكين المرأة من القيادة؟ ماذا نسمي منع المرأة من أن تكون مهندسة معمارية ومدنية تنزل إلى الميدان؟ أهو عيب أم عار أم حرام؟ ماذا نسمي منع المرأة من أن تعمل في مجال الأمن كشرطية وتحتل رتبا عسكرية؟ أنسميه عيبا أم حراما أم عارا؟ ماذا نسمي عدم تقلد المرأة لمنصب وزير؟ هل ذلك عيب أم حرام أم عار؟ حتى بعد أن وصلت الأستاذة نورة الفائز لمنصب نائبة وزير التربية والتعليم لم يتركها البعض في حالها. أرهقوها، كتب المرجفون عنها كتابات لا تليق. وقد يقول قائل إن هناك مناطق بكاملها ليس منها وزير رجل حتى يكون منها امرأة وزيرة، والرد يسير، وهو أنه على الأقل توجد مساواة بين الرجل والمرأة في هذا الشأن!!!!!.
ماذا نسمي فسخ نكاح نسوة بسبب عدم تكافؤ النسب؟ هل هو عيب أم عار أم حرام أم حلال؟
ماذا نسمي منع المرأة في المجالس البلدية من أن تجلس على طاولة مع زملائها الرجال والاكتفاء بوجودها في غرف موصدة أبوابها تستمع لحوار الطرشان؟ هل هو عيب أم حرام أم عار وجودها مع الرجال الذين انتخبوا ووثق بهم الناس؟ ولا خلوة في ذلك نهائيا إلا مع توسيع مفهوم مصطلح الخلوة لمن يريد.
ماذا نسمي عدم ذكر اسم المرأة في كروت دعوات الزواج أو غيرها من المناسبات؟ يكتب اسم العريس بالخط العريض واللون الذهبي المميز ويكتفى بالقول على كريمة الشيخ فلان. مصادرة صريحة لاسم في أجمل يوم من حياتها.
ماذا نسمي فعل من يضرب النساء على عقبها بعصا الخيزران في الأسواق لأنّها كشفت وجهها أو وضعت العباءة على كتفيها؟ أهو عار أم حرام أم مباح أم استباحة؟
ماذا نسمي عدم حضور المرأة إلى المدرجات في مباريات كرة القدم أو غيرها من الألعاب؟ ألا يمكن الترتيب للحضور بشكل يريح العوائل؟ أليس النساء نصف المجتمع؟ ألسن بشراً يفرحن ويسعدن؟ أنسمي المنع عارا أم عيبا أم حراما أم مكروها؟ أعرف أن كثيرا مما ذكرت أعلاه من تساؤلات ستكون الإجابة عليها ربما من باب سد الذرائع. ولو جعلنا بدل الذرائع أي الأسباب ذراع: أي (مقاس) فكم ذراعا بقي علينا لتكون الإجابات إيجابية تجاه تلك الأسئلة.
هناك الكثير من الأسئلة والأسئلة؟
أرجو أنني أسهمت في محاولة فرقعة المصران الغليظ أو اقتربت من ذلك ولم أسهم في نفخه. كما أرجو أن ذكري أسماء لم يسئ لأحد. أمر طبيعي أن تختلف الآراء والرؤى حول أي قضية مجتمعية، ولكن من غير الطبيعي أن نشخصن الأمور بدلا من أن نشخصها. أمر طبيعي أن نتحاور ولكن من غير الطبيعي هو الصدام بدل الحوار. ليس من الطبيعي أن ننعت في كتاباتنا وحواراتنا بعضنا البعض بتهم أو ما شابه حتى لا يصل الأمر إلى أن نعير بعضنا البعض ليصل الأمر إلى حد قول القائل : عار عليك إذا فعلت عظيم. أظل أتفهم الآراء بغض النظر عن اتفاقي معها من عدمه واجتهد في التحليل واحاول استحضار كافة المعطيات.
إلى اللقاء في نفخ مصران آخر أقصد بالونا آخر.