منى صالح العدل ">
ينهال على أجهزتنا الذكية مع بداية كل فصل دراسي جديد، أو اقتراب نهاية أي إجازة رسمية موج عارم من الرسائل والفيديوهات الساخرة؛ والتي هدفها تشويه تعليمنا، وتصويره بأبشع الصور، وكأنه هادم اللذات، وجامع الحسرات، فتبدأ المشاعر والقلوب بالاستجابة لتلك الرسائل والصور وإرسالها مرة أخرى لتغزو كثيراً من القروبات والأسماء فيقرؤها الصغير قبل الكبير، المتعلم قبل الجاهل دون معرفة ما تحمله تلك المنقولات (النكت) من خطر جسيم علينا وعلى أبنائنا، ومما يثير العجب والدهشة هو سرعة تداولها وانتشارها لتكون بسرعة البرق أو أشد سرعة، بحيث لا يخلو موقعاً اجتماعياً منها؛ فهل سألنا أنفسنا مرة واحدة قبل المساهمة في نشر هذه النكت وبثها: من هم مخرجو هذه الرسائل ومطلقوها؟ وما الهدف من نشرها؟. إن من يقوم بإخراج هذه الرسائل وإطلاقها هم فئة لا تريد الخير لنا ولا لأبنائنا، مرادها الأول تنشئة جيل أجوف لا هدف له ولا طموح، فقد أدركوا تماماً الأثر المجني من مخططاتهم المدروسة في قلب الصورة وتدمير الفكر؛ لذا لجأوا إليها وتفننوا في إخراجها بشكل يتناغم مع عقلياتنا ويتسق مع أفكارنا، وللأسف كنا أداة سهلة التطويع في يد من لا يريد الخير لنا، هم عليهم الإخراج فقط ونحن علينا التنفيذ، بل وأبدعنا في ذلك خير إبداع، لنرى تسابقا عظيما في الإرسال وسرعة النشر، ولم نكتف بهذا القدر فحسب، بل قام البعض بدور القارئ لمن فاتته قراءة هذه النكتة ليضحك ويُضحك من حوله ويفوز بذلك بدور الناشر الأسرع والمضحك الأول لهذه المجموعة أو تلك، أصبح البعض منا لا يعرف مصلحته ولا يدرك ما يدور حوله، جهلنا أو تجاهلنا أن هذه المنقولات التي تُضحكنا وتضحك أبناءنا ستصبح قناعات مع مرور الأيام يصعب اقتلاعها من عقول هذا الجيل، فالنكتة هي أسرع وسيلة لغسل الأدمغة، وكيف استطاعت تصوير كثير من الشعوب على أنها شعوب غبية وغير واعية، وهي غير ذلك تماماً، فهل لك أن تثق بقدرة جحا على أداء عمل ناجح؟ أبداً؛ لأنه شاع عنه الغباء فرسخ ذلك التصور في ذهنك وذهن غيرك، وإن استمر بنا الحال على ما هو عليه فإن نتائج ما نقوم به ستكون سيئة لا محالة، مع أني أرى أننا بدأنا نقطف ثمار هذه النكت سريعاً، وظهر ذلك واضحاً جلياً على سلوكيات أبنائنا، أصبحنا نرى جيلاً مبغضاً لمدرسته كارهاً لها، غير مهتم بدروسه ومعلميه، وهذه أول الثمار، وما خلو مدارسنا أو شبه خلوها من طلابها في أول أسبوع دراسيآخر أسبوع من الفصل نفسه إلا نتاج تلك الفكاهات والنكت.
فبعد أن كان اليوم الأول من كل عام دراسي هو يوم الشوق والفرح لدى الطلاب في الماضي أصبح اليوم ضمن الإجازة الرسمية، بالإضافة إلى كثرة الغياب، وعدم الانضباط، وغيرها من السلوكيات الخاطئة المدسوسة على أبناء هذا الجيل المرفه، فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة التعليم في جعل المدرسة بيئة علمية جاذبة ومشوقة من خلال طرح الأنشطة والفعاليات المشوقة، وحث المعلم على احتواء الطالب وفهم حاجاته وتحفيزه، باستخدام استراتيجيات تعليمية متنوعة، إلا أن هذه الجهود لم تكن ذات جدوى أمام تلك النكت التي أخذت تدمر كثيراً مما بنينا، ولم تقف هذه المنقولات الفكاهية عند مستوى الطالب فحسب بل جاوزتها لتصل إلى ذلك المربي الكريم، والرسول الأمين صانع الأجيال ومنجب الأبطال إلى المعلم المخلص؛ لتنزع منه سمو هذه المهنة وشرفها؛ فانتشرت تلك الفكاهات الساخرة محاولة تشويه مهنة التعليم في نظره لتذبل بسمات جميلة لدى كثير من المعلمين والمعلمات، بل بدأنا نلاحظ بوادر حزن وتذمر عند صدور أي قرار تربوي من شأنه بذل مزيد من التطوير والحداثة في التعليم، وبالتالي لا معلم يُعطي ولا طالب يُعطى، وهذا ما تريد تلك النكت تحقيقه، وأنا هنا لست بصدد طرح مشكلة دون وضع حلول لها بل إني أحمل عددا من الحلول علها تكون نافعة إن تم تطبيقها بإذن الله وهي: يجب أن تقف هذه الرسائل عندك لتكون أنت آخر محطة تصل اليه هذه الرسالة، أو أن تحذفها مباشرة. حاول إرسال بدلاً منها رسائل إيجابية تثير النشاط والحماس في نفس عناصر الأمة الفاعلين (الطلاب، والمعلمين). وفي النهاية يجب أن نعلم أن مسؤولية إيقاف هذه النكت تقع على جميع أفراد المجتمع وطبقاته من آباء وأمهات، ومعلمين ومعلمات، وهيئات ومنظمات، وكتاب وأدباء، فلابد من تظافر الجهود وتكاتف الأيدي؛ لصد هذه الرسائل المدمرة للعقول، مع توضيح أهدافها الشرسة وإننا أمة أقرأ التي أمرت بالعلم والعمل وتعمير الأرض وبنائها، وإنه لا عز ولا كرامة للأمة دون علم وعمل، فكيف بنى سليمان عليه الصلاة والسلام مملكته القوية والتي تهابها الجن والإنس إلا بالبذل والعمل، مثل هذه العبارات المحفزة هي ما يجب تسطيرها ونشرها لنرى ثمارها في بناء جيل متعلم واع قادر على خدمة نفسه ومجتمعه ووطنه.