د. خيرية السقاف
شعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ربانية، ورد الأمر بها، والتوجيه إلى إشاعتها بين الناس لفظاً صريحاً بآيات الله العظيمة في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل أبداً؛ لذا من يعظمها فهو يعظم شعائر الله إيماناً، واحتساباً، وطاعة، وامتثالاً..
والمسلم المؤمن لا يحرجه أي أمر في دينه.
ولنا المثل والقدوة في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وخلفائه النجوم الكرام الذين من يقتدي بهم يهتدي، ثم من يتبعهم يحذو..
لا خطأ في منهجها، وتعاليمها، وأهدافها، ومقاصدها، وإنما في سلوك البشر الذين إن اجتهدوا قد يخطئون، وإن أخطؤوا فسيوجَّهون، بل سيعاقَبون على قدر خطأ أحدهم.
ولنا في مواقف النبي الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أخطاء الرسل للأمصار، والجند في الجيش، والباعة في السوق، والرجل في بيته، والزوجة مع زوجها، خير أمثلة لمن كانوا حين يجلسون إليه لا يجدون في أنفسهم حين يفترقون عنه تلك الروحانية، والنقاء، فيخبرهم لو أنهم يبقون في غير مجلسه كما هم فيه لصافحتهم الملائكة..
وفي هذا إشارة إلى أن البشر ليسوا على ما يقوى عليه الرسل من الجدية، والطهر، والالتزام، وعدم اللهو، وأي من المسالك المؤدية للأخطاء السلوكية بتفاوتها.
لكن المؤمن التقي يتحرى أن يكون كل فعله في صواب، وضمن دائرة المباح؛ فهو إن أخطأ يندم، ويجعل نفسه قيِّمة على نفسِه قبل غيره، وإن لم يفعل وتجاوز خطأه إلى غيره فهناك نظام يحده، وعقوبة توقفه، تبدأ بالنصيحة أمراً بمعروف، ونهياً عن منكر، وترغيباً في تراجع.
وأخطاء الفرد من البشر تحدث في كل مكان، وتأتي من كل الأطياف، ولا تتوقف على أخطاء أفراد موكلين بهذه الشعيرة وحدهم دون سواهم..
كما أن الموقف من الأخطاء لا ينبغي أن يختلف بين فرد وآخر، في مؤسسة مجتمعية دون غيرها.
إن المجتمع المسلم الذي لا ناصح فيه عالماً بما ينصح وفق الكتاب والسنة، وموجهاً للأخلاق، والقيم، ومبادئ التعامل، هو مجتمع يتردى، وقد ينفتح فيه باب الفتن، والضياع على ضلفتيه..
لذا فإن المؤمن مؤتمن على مناصحة أخيه، فهم أعضاء في جسد واحد.
هذه حقيقة لا شائبة فيها، وقول لا يأتي عن هوى..
فما ينبغي، ولا يليق بمجتمعنا أن يكون فيه من يتحامل على هذه الشعيرة، وعلى من يؤديها، وهو المجتمع المؤمن، المسلم، المتبع لما جاء به القرآن من لفظ الخالق العظيم منظم الكون، مقدر العلاقات، باسط الثرى، مانح العقل، منتدب الفرد، موكله الأمانة، مقدر النعم، مقسم الأرزاق بأنواعها، العادل في خلقه، الصادق في وعده، المعلم رسله، الهادي نبيه، السائل عبده عن اتباعه..؟!
فأخطاء أفراد لا تدعو للاستياء من مؤسسة قيمة ذات نفع، فهناك من الأخطاء ما يرتكبها أفراد في جميع مؤسسات المجتمع، تلك التي أوجبت استحداث مؤسسة لدحض الفساد، وتعقب الخطّائين فيها.
ومع ذلك فليت المسؤولين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملون على ألا يكون دور هذه المؤسسة المهمة القنص في الميدان فقط، وإنما يكون أفرادها مربين موجهين، معلمين منبهين، يفككون طلاسم ما يظنه الصغار غامضاً، ثقيلاً على النفوس، وما يمارسه الكبار واجباً لكنه مفرغ من قيمه الصحيحة، ومن التأثير في استلهام مدارك النشء، وإلا ستكون الأجيال القادمة أكثر فراغاً وبُعداً عن المعين، مسلمين لباساً، لا مكنوناً وأداءً..!!
فلنتجاوز الأخطاء الفردية، ونسندها لأصحابها..
ولنشعل مصابيحنا في ردهات العلاقات بنزاهة منشودة في كل مرفق، ومن كل الأفراد على سواء.
فالحياة لن تدوم، والملاقاة بالأجل والحصاد تقرب من كل فرد بسرعة مرور الزمن الذي يُدهش في تسارعه، وانقضائه..