محمد آل الشيخ
رحم الله الشيخ عبدالعزيز بن باز وأسكنه فسيح جناته؛ فكم نحن في حاجة إليه ولأمثاله لمواجهة هذا التشدد والتكلس والتطرف تجاه كل ما يتعلق بالنساء؛ فسوء الظن بالمرأة، هو باعث كثير من الفتاوى غير المؤصلة، والتي جعلت من الشك فيها، وفي مجالستها للأجانب، سببا كافيا لجعلها سجينة في منزل والدها، أو زوجها، لا تقابل أحدا، سواء كانت محتشمة أو على الضد من ذلك؛ وأما الدليل الذي يحتجون به، فهو تحججهم (بسد الذرائع)، ذلك السد المنيع الذي طال وارتفع واشمخر و(تخرسن) حتى ناهز (سور الصين) العظيم. ولا ريب أننا في زمن تولى فيه الفتوى أناس يستعبدهم، ويستحوذ على أذهانهم (وهم) كاذب مؤداه أن الفقيه إذا تشدد وتكلس وتصلب، كان ذا قيمة ومحل تقدير بين العامة، وكلما تسامح ويسّر تدنت قيمته واحترام الناس له، الأمر الذي جعلهم يأخذون بالتشدد ويبتعدون عن اللين والتسامح وفقه التيسير، خاصة إذا تعلق الأمر بالمرأة وممارساتها الحياتية، عندها يجنُّ جنونهم.
جاء على موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز على الإنترنت ما يلي: (امرأة تحب عمل الخير ومؤمنة، وصائمة ومصلية، وحاجة إلى بيت الله الحرام، وقلبها لله -عز وجل-، وتحسن إلى الناس، ولكنها تستقبل الضيوف الرجال أثناء غياب الزوج، وتقوم بواجبهم على أكمل وجه، ولكن بقلب سليم ونية صافية، فهل هذا حرام؟ وهل يؤثر هذا على عملها، وعلى صلاتها، وصيامها؟
فأجاب رحمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه أما بعد: فهذا العمل الذي ذكرته السائلة فيه تفصيل، فإن كانت المستقبلة للضيوف مستورة ومتحجبة وبعيدة عن أسباب الفتنة، ولا تخلو بأحد من الرجال فلا حرج عليها، أما إذا كان يتضمن ذلك خلوة بأحد من الرجال أو إبداء شيء من الزينة وأسباب الفتنة فهذا لا يجوز، لأن الأحكام تدور مع العلل، والمرأة مأمورة بالحجاب والتستر والبعد عن أسباب الفتنة، ومنهية عن الخلوة بالرجل الأجنبي، فإذا كان استقبال الضيوف على وجه لا يقدح في دينها ولا يضر دينها، لا خلوة ولا تكشف، فلا بأس في ذلك).
هذه الفتوى بلا شك ستصيب المتشددين، المتكلسين، أعداء المرأة، في مقتل، وستجعلهم ينكشفون للعوام، وأنهم يقولون على الله بلا علم، وإنما منطلقون من عادات وتقاليد متشددة اجتماعية بالية، ليس فيما يتعلق بالاختلاط فقط الذي جعلته فتاويهم وكأنه ضربا من ضروب الموبقات، وإنما - أيضا - في إسقاطهم ضرورة وجود المحرم في السفر، بجعل (المحرم) ضرورة حتى في كل تحركاتها في الحياة؛ كمنعهم أن تُراجع المرأة الدوائر الحكومية إلا ومعها (محرم)، فإذا كان الشيخ ابن باز أجاز للمرأة أن تستقبل الضيوف في بيتها أثناء غياب زوجها شريطة عدم التبرج وعدم الخلوة، فهذا يعني أن ممارسات المحاكم وكتاب العدل، بضرورة المحرم، تزيّد وتشدد ما أنزل الله به من سلطان، إلا إذا كان الشيخ رحمه الله مفرطا في أمر شرعي، فذلك أمر آخر.
وهذا ما أقوله مرارا وتكرارا، أن تعصب وتشدد وتزمت بعض المتشددين، خاصة ما يتعلق بممارسات النساء الحياتية، أمر طارئ على فقه مجتمعنا، ولم يقل به أحد من علمائنا الأوائل، رغم تشددهم في مسائل التوحيد وإخلاص العبادة لله ، وتساهلهم وتيسيرهم على الناس، ومراعاة ظروفهم، وانطلاقهم في فتاويهم من حسن الظن بالمرأة لا سوء الظن بها كما يفعل المتأخرون.
وختاماً، فبعد هذه الفتوى من هذا العَلم من كبار أعلام فقهائنا، لا يستطيع أحد، خاصة (الوراعين) منهم، أن يقول إن الاختلاط بشكل مطلق حرام، وإنما الحرام في التبرج والخلوة، كما نص في فتواه رحمه الله.
إلى اللقاء