صالح محمد الربدي ">
لم أكن أتصور أو يتصور غيري من أبناء مدينة بريدة (خاصة الذين عاشوا فيها من نعومة أظفارهم)، أن يتم التعامل مع مدينتهم الحبيبة بريدة عند مسؤولي الأمانة ومصلحة المياه والصرف الصحي بهذا الأسلوب، فقد أغرقت مدينة بريدة، التي وُلدنا فيها وتعلمنا في مدارسها وأكلنا من خيراتها ولعبنا بين جدرانها، وعلى رمالها وتنفسنا الهواء العليل في مزارعها وحدائقها، أغرقت مدينتا بسبب سلبية المسؤول عن ذلك الذي لم يتحمل الأمانة كما عرضها العزيز الحكيم في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)}. (سورة الأحزاب)، فقد تم تمكين المستثمرين - وهذا خطأ - للاستثمار بمواقع كلها معروفة عند أهل المعرفة والخبرة بأنها أماكن تجمع السيول والأمطار منذ أن تأسست مدينة بريدة الغالية.
أغرقت مدينة بريدة التي عشقناها من يوم عرفنا أنفسنا، لأنّ أهالي بريدة لم يكن لهم رأي في تلك الاستثمارات التي أبرمت عقودها والتي أغرقت بريدة، ودمرت أموال بعض أهلها، حين عرض المسؤولون تلك المواقع على مستثمرين لا يعرفون طبيعة المدينة ومجاري مياه الأمطار، وكان لزاماً عليهم إنشاء البرك والمجمعات الخاصة بالسيول، وضخها بواسطة مضخات وليست مضخة أو مضختين أغرقتها السيول خلال ثوانٍ، ليرتفع منسوب الماء في شارع الملك عبد العزيز (الخبيب سابقاً) إلى حوالي المتر، ويحدث كارثة كبرى تمثلت في اختلاط مياه الأمطار مع مجارى الصرف الصحي، لتداهم تلك المياه والمجاري المحلات التجارية، وتسبب خسائر مادية ومالية تقدر قيمتها بالمليارات نسأل الله لهم التعويض.
لقد أغرقت مدينة بريدة التي عشنا تحت سمائها وفوق أرضها بسبب سلبية متعهدي الصيانة، الذين صرفت لهم حكومة خادم الحرمين الشريفين حكومة سلمان بن عبد العزيز، ومن قبله إخوانه الملوك السابقون - رحمهم الله -، مبالغ لا تُعد ولا تُحصى، من أجل تطوير وتحسين مدينة بريدة لا إغراقها.
لقد أغرقت مدينة بريدة عاصمة القصيم، لأنّ المسؤول ترك العمل الميداني والإشراف العام لأناس قد لا يكونون بمستوى من القدرة والمعرفة والصلاحيات لمعالجة ذلك في حينه.
أغرقت مدينة بريدة بينما كان على المسؤول أن يستبدل مجاري السيول والصرف الصحي ومضخات الصرف التي أكل عليها الزمن وشرب، والتي مضى على تأسيسها أكثر من خمسين عاماً ومن غير صيانة تذكر، رغم الملايين التي رصدت وصرفت من قِبل ملوك وأمراء هذه البلاد، رحم الله من مات منهم وأطال الله في عمر من بقي عليها.
أغرقت مدينة بريدة الغالية علينا جميعاً، بفعل المركزية والتخطيط العشوائي على الورق وهو بعيد كل البعد عن الواقع.
أغرقت مدينة بريدة بسبب تهميش أصحاب الخبرة والرأي، الذين يعرفون مجاري الأودية والشعاب ويعرفون مصادرها ومخارجها.
وبسبب تلك الكوارث تألمنا كثيراً ونحن نشاهد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم، وهو يتابع الأحداث أولاً بأول، ويتنقّل من مكان إلى آخر متأثراً بتلك المواقف التي جلبت له الهم والأحزان التي ظهرت على محياه، وهو يشاهد المساكن والمحلات والسيارات تغرق أمام عينيه، لتحدث الأضرار والخسائر التي تقدر بالمليارات، بسبب سلبية المسؤولين، حيث غرقت سيارات ومساكن كثير من المواطنين، والمحلات التجارية التي يملكها مواطنون ومستثمرون محتوية على بضائع وأجهزة لا تقدر بثمن.
ولا زلنا ننتظر من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل أمير منطقة القصيم، الذي تحمّل همنا وهمّ غيرنا، إصدار توجيهاته بتشكيل لجان لمحاسبة من يثبت تقصيره من المسؤولين والمتعهدين وإصلاح ما أفسدته الأمطار.
كما نلتمس من أميرنا الغالي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل أمير منطقة القصيم، الذي فجع بالكوارث وعاش همومنا لعدة أيام، الرفع إلى مقام والد الجميع ملك الحزم والعزم الكريم ابن الكرماء ملكنا سلمان بن عبد العزيز، للنظر في وضع المتضررين الذين لحقتهم الديون والخسائر.