د. محمد بن عويض الفايدي
تتمثل الأسس الخمسة بداية في استشعار عمق مخاطر الإرهاب وجسامة مهدداته التي تعاظم معها تخطيه كل رادع ومانع ديني وأخلاقي وقيمي، وتجاوزه مجال حدود تفكير وإدراك الناس الطبيعي بالاعتياد على تكراره في شكل إجرام دامٍ وانحراف عنيف ممعن في الظهور بلباس دنيء
وفعل فاحش بشع أمتهن الدين وحطم المبادئ والقيم والأخلاق، وأسرف في القتل بصورة ممقوتة مستهجنة لم تقم لشعيرة الإسلام قيمة ولا لفضل يوم الجمعة فضيلة ولا لوقتها قدسية ولا لدار العبادة تقدير ومهابة مستقرة في نفس كل بر وفاجر. تفجير مسجد الرضا بالأحساء في شرق المملكة يوم الجمعة 29 يناير 2016م الذي استشهد فيه 4 مواطنين وأصيب نحو 36 من بينهم أطفال واثنان من رجال الأمن أعاد للأذهان أشنع وأبشع الصور لتفجيرات المساجد ففي العام المنصرم عام 1436هـ استهدف في يومي جمعتين متتاليتين مسجد القديح، ومسجد العنود في المنطقة الشرقية، استشهد فيهما نحو 27 شهيدًا وأصيب الكثير. كما استهدف في 9 رمضان مسجد الصادق بدولة الكويت استشهد وأصيب فيه نحو ضحايا مسجدي القديح والعنود. وفي 6 أغسطس 2015م استشهد 15 شخصًا في تفجير مسجد قوات الطوارئ الخاصة في أبها، وإصابة 33 آخرين. وفي 27 أكتوبر 2015 م استشهد شخص وأصيب آخرين في تفجير مسجد المشهد في نجران.
الإرهاب معادلة تتمثل بالأفكار فيها الأقوال، والأقوال فيها الأفعال، والأفعال فيها السلوك، والسلوك فيه الطباع، والطباع إليها المصير، ليأتي أول الأسس بالانتماء إلى العقيدة السوية المستندة إلى منهج إسلامي معتدل لا انحراف فيه ولا تطرف ولا شطط بعيدًا عن تحزبات وتكتلات وانتماءات إلى مذهبيات كانت نتائجها واضحة البؤس والتشرذم في العراق وسوريا واليمن. وانعكاس لذلك زاد التهديد المجترئ على حرمات الإنسانية عامة، ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة، في ظاهره وباطنه العداوة المقيتة والظلم الجائر للإنسان تحت ستار التأسلم والتطرف بقتل الأنفس المعصومة.
الأساس الثاني يتمثل في الدور الفعال للمواطن ومواطنته الصادقة بتحمل المسؤولية الوطنية المباشرة التي تكفل تماسك المجتمع وحمايته من التصدع والانقسام والنظر إلى المشاهد بوعي وتأمل واعتبار وإدراك للمخاطر المباشرة وغير المباشرة التي تتربص بالضرورات الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وموارد وثروات المجتمع ومؤشرات الاستيلاء عليها بعصابات الإجرام واضحة الدلائل والحيل. إِذ إن الجريمة الإرهابية أضحت مهنة تُمارس بأساليب إدارة الأعمال ضمن هيكلة الشركات والمؤسسات التجارية في إطار مؤسسي خارج عن القوانين تزايد معه التهديد الكلي للمجتمعات بجريمة الإرهاب الفكري والعقدي والسلوكي المتشبع بالتشدد والتطرف والإقصاء وأحادية الرأي ومعادة الآخر.
الأساس الثالث الوعي الفكري والإعلام الذي يُشكل انطباعات واتجاهات الناس الذين ينظرون إلى الواقع والأزمات والتحديات والمخاطر الحرجة وفي مقدمتها الإرهاب من خلال تحليل المفكرين والنخب وقادة الرأي في المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة التي يتراجع فيها دور وسيلة الإعلام المحلية وتأخذ وسائل الإعلام الأخرى الحيز الأكبر في مشاهدة ومتابعة المواطن الذي يربط المشاهدات ورؤيته حولها بالسياق التاريخي والثقافي لمنطقة وقوع الحدث بشكل مباشر، الذي بدوره يؤسس لمساحة أوسع للتحليل والتصور، ويُتيح لمستخدمي وسائل الإعلام التأثير في مسار الأحداث، لكنه يثير تحديًا حول طبيعة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام المحلية في الأحداث الإرهابية بنقل الحدث بمهنية ووسائل وتقنيات تُوظف المشاهد والصور مع الرأي والتحليل بما يكشف منطقة الظل حاضنة الإرهاب التي تستهدف المسلم في أسهل نقاط تجمعه في دار أمان عبادته «المساجد» التي لا يجرؤ على المساس بها الكافر والملحد والفاسق، في حين تتخطى التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «تنظيم داعش» كل القيم والاعراف لتنتهك حرمات المساجد وتستبيح دماء المسلمين في لباس الإرهاب الأشر الذي يظهر الوجه القبيح لهذه التنظيمات المقرضة التي يلتبس فيه الفكر السوي مع الانحراف والتطرف وتتجاذب فيها سلوكيات خفية وممارسات شاذة على خطوط تماس بين مقاصد الإسلام الحق ومنزلقات التطرف والانحراف.
الأساس الرابع التعاون الموضوعي الجاد والعمل الدولي الجماعي المشترك لمواجهة خطر الإرهاب والتصدي لعناصره وتنظيماته بعمل موحد ينطلق من مسؤولية تاريخية مشتركة تضع الخطط وتطور الوسائل وتبتكر الأساليب وتضع قواعد وأسس تضامنية للتعاون الإقليمي والدولي لمواجهته بكل عزم وحزم، ينطلق من رفع الظلم عن الشعوب المعتدى عليها، وإعادة الأمان العادل إليها لحفظ معطيات التنمية واقتصاديات الدول من الإرهاب الذي دمر منجزات المجتمعات وقتل الأنفس المعصومة دون مقدمات، وهز العالم بممارسات بشعة مجردة من الأديان والقيم والمبادئ الإنسانية شاع فيها فكر وسلوك داعش والجهاد والنصرة وأنصار بيت المقدس وأنصار الله والإخوان في قوالب إجرامية واشتقاقات قاعدية، في شكل تنظيمات تديرها عصابات مغرضة بذرائع مختلفة شوّهت كل شيء لأغراض أيديولوجية أكابر مجرميها أبو مصعب الزرقاوي وأبو محمد الجولاني ومحسن الفضلي والبغدادي وعبدالملك الحوثي وحسن نصرالله، ومسميات حركية أخرى أساءت للدين وأحدثت تشوهات تراكمية في واجهة الإسلام والإسلام بريء كل البراء منها لأنه دين التعاون على الخير كله.
يتمثل آخر الأسس في حتمية التحول في منهجية المواجهة والتصدي والمعالجة من الوقاية والردع إلى المجابهة التي تتطلب إعادة النظر في سياسة التجريم والعقاب، وتحديث التشريعات والقوانين والنظم واللوائح، وسن تشريعات صارمة تُجرم التستر على أي طرف من أطراف الجريمة أو تقديم أي نوع من أنواع الخدمة بما في ذلك أدنى علم أو معرفة بما يتصل بالجرائم الإرهابية في مختلف مراحلها وقبل تشكلها. وإعلان عقوبات رادعة تُنفذ بسرعة وصرامة. ورفع كفاءة منهجيات العمليات الاستباقية والمباغتة بتمتين وتجسير وتمكين قوات محاربة الإرهاب الوطنية والخليجية بخبرة وتقنيات عالمية متطورة تلتقي معها الإيرادات من أجل الوصول إلى بؤر الإرهاب وتنظيمات داعش والقاعدة في مواقع التفريخ لنزع فتيل محاضن الإنتاج ومنع تصدير الفكر قبل السلوك، وتسريع عقوبة قادة فكر الإرهاب ومنظريه بما يكفل تحييد أدوات الفكر الإرهابي المباشرة وغير المباشرة، وتوظيف التقنية الحديثة، ومراكز البحوث والدراسات في ذلك، وبناء تكتل دولي أكثر صرامة وجدية ضد الإرهاب ضمن جهود الهيئات والمنظمات الدولية، والتوسع في عقد المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والمتعددة، وتدعيم الوعي المجتمعي من مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومن الحضور القيادي للقيادة السعودية والمبادرات التي تُطلقها في مختلف المواقف والمشاهد ومن آخرها مبادرة ولي العهد بتوظيف بعض المواطنين الذين لهم مشاركة إيجابية في حادثة تفجير مسجد الرضا بالأحساء. والشراكة مع مركز الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب الذي تم إنشاؤه هذا الشهر، والمركز الدولي لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، تحت مظلة خليجية موحدة تتشاطر فيها أجهزة الأمن الخليجي مهمة درء مخاطر الإرهاب التقليدي والإرهاب غير التقليدي كالإرهاب الكيميائي والبيولوجي والنووي الذي قد تتسرب أسلحته إلى العناصر الإرهابية في ظل الاضطراب الإقليمي والدور الإيراني الداعم والممول للإرهاب، ليظل الدور التاريخي لدول مجلس التعاون الخليجي رائد في حفظ الأمن والسلام الدولي.