محمد بن فهد العمران
بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 - 2009م شهد الاقتصاد السعودي إفلاسات مفاجئة، تركزت في كيانات تجارية ضخمة وشخصيات مالية كبيرة، كان الجميع يعتقد أنهم في مأمن تام من أي مخاطر ائتمانية ممكنة بسبب قوتهم المالية، وتنوع استثماراتهم وخبرتهم الكبيرة (مجموعة القصيبي ومجموعة الصانع مثلاً)، إلا أن الواقع على الأرض أن هذه الكيانات والأشخاص أفلسوا رسمياً، ثم توصلوا بعد ذلك إلى تسوية مع المصارف التجارية السعودية بعد فترة طويلة من المفاوضات، وبعد أن سجلت هذه المصارف في دفاترها خسائر محققة بأكثر من 25 مليار ريال.
الآن ونحن نعيش في 2016م أزمة جديدة، تمثلت بهبوط حاد في الأسعار العالمية للنفط، أكثر ما أخشاه شخصياً هو أننا قد نسمع قريباً عن حدوث إفلاسات جديدة لكيانات تجارية ضخمة أو لشخصيات مالية معروفة في المملكة بسبب إفراط بعض الكيانات أو الشخصيات في الحصول على الديون المصرفية لتمويل نمو نشاطاتهم التجارية، فيما شهدت هذه النشاطات انخفاضاً قوياً لتقييمات أصولها، أو انخفاضاً قوياً في أرباحها وتدفقاتها النقدية، أو تأخراً في سداد مستحقاتها من الغير، أو لأي سبب آخر. وفي حال حدوث ذلك - لا قدر الله - سيكون ذلك حدثاً طبيعياً في ظل وجود تغيرات اقتصادية جوهرية، تحدث في كل مكان بالعالم، وليس بالمملكة فقط.
يُعتبر النفط سلعة كأي سلعة أخرى، تعيش في دورات من النمو، وفي دورات أخرى من الانكماش، إلا أن بعض رجال الأعمال والمصرفيين لا يدركون ذلك جيداً، بالرغم من تعرُّض اقتصاد المملكة للعديد من للدورات الانكماشية في أسعار النفط خلال الثلاثين عاماً الأخيرة؛ وذلك بسبب الجشع والرغبة في تحقيق أعلى العوائد الاستثمارية في أقل وقت ممكن، ثم يبررون فشلهم بأن ما حدث في أسعار النفط كان مفاجِئاً لهم. وهذا إن حدث فسيكون تبريراً مخجلاً، يؤكد لنا فشلهم الذريع بوصفهم رجال أعمال ومصرفيين في التعامل مع الدورات الاقتصادية المختلفة.
لذلك إن استمر متوسط أسعار النفط دون 40 دولاراً، وإن لم تتمكن بعض الشركات من تحسين نتائجها المالية خلال عام 2016م، فربما سنشهد إفلاسات خلال هذا العام. وشخصياً أتوقع أن يبدأ المسلسل في قطاع المقاولات (الذي لا يزال يئن من هبوط أسعار النفط منذ عام 2014م)، ثم قطاع البتروكيماويات وقطاع الاتصالات، وربما يمتد ليشمل شركات في قطاعات أخرى، مثل التأمين والصناعة. وحتى أكون محدداً فإنني أخشى أن نشهد إفلاسات لشركات عملاقة، سواء كانت ضمن الملكية الخاصة أو الملكية العامة، مثل: ابن لادن للمقاولات وكيان السعودية ونماء للكيماويات وعذيب للاتصالات وزين السعودية والكابلات السعودية، وربما غيرها.
وكالعادة، من المتوقع أن يبدأ المسلسل بتعثر الشركات أولاً عن سداد ديونها لصالح المصارف التجارية أو الالتزام بشروط التمويل المتفق عليها مسبقاً مع الدائنين (أي الإفلاس بشكل غير رسمي في ظل عدم وجود نظام واضح للإفلاس)، ثم من المتوقع أن تدخل الشركات في مفاوضات ائتمانية طويلة مع المصارف للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، ثم قد نسمع عن إعادة هيكلة شاملة للعمليات التشغيلية (بيع أو إغلاق أو دمج للوحدات التشغيلية مثلاً)، ثم قد ينتهي الأمر بالاندماج أو الاستحواذ من قِبل شركات أخرى في حال وجود جدوى لذلك، ولكن ضمن شروط قد تكون مجحفة جداً بحق المساهمين. نسأل الله السلامة للجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.