سام الغُباري
منذ تسعة أشهر ما زلت أسكن الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، لم أشعر بشيء سيئ، كل ما عزله نظام «صالح» عن وعينا كجماهير شابة كان خطيراً، صارت دول الخليج في عهده خصماً مباشراً لليمنيين الذين فقدوا بوصلتهم بتنازع النظام بين أهوائه وضرورات وجوده كمحرك دائم للشعب غير المتعلم.
- في الرياض مساحة تزيد على 1.798 كيلو مترا مربعا، وبداخلها ستة ملايين مواطن ومقيم، لم أجد شرطي مرور واحد، وفي طريقي سائحاً بمناطق المملكة كانت الدهشة تأخذني بعيداً لهدوئها وترتيبها وأناقة شعبها.
- السعوديون شعب أنيق فعلاً، ونظيف، يعشق العطر ويأكل التمر واللحم، يقدس الطبيعة، ويعود إلى البادية، في الصحراء على أطراف المناطق الوسطى، يُشعل الكبار والصغار النار في حطب النزهة لشواء الدجاج وأوصال اللحم الني، يعشقون تجارب الاختلاف، ويغامرون بسياراتهم في احتفالات صاخبة ومثيرة.
- في السعودية وعي أسمر وشعب حي لا يموت، يُحبون الروح والحياة أكثر من كل من في اليمن، جرحاهم في حروب الإرهاب أو الاعتداءات النادرة من المجرمين، يتلقون رعاية فائقة مدهشة، لم أسمع جندياً أو موظفاً عاماً أهين في كرامته أو تعرض لإهمال حكومي أودى إلى مغادرة الحياة.
- يتعامل ملوك آل سعود مع شعبهم كعائلة، ولهذا أطلقوا على المنطقة اسم «السعودية»، يكون الملك عليهم أباً راعياً عادلاً، شهماً كريماً، قائداً قدوة، يؤاخي الأمراء إخوانهم من عامة الشعب ومثقفيه وشيوخه وعشائره الكريمة الأصيلة، هكذا يقولون لك، نحن عائلة، الملك الأب والراعي المسؤول الذي لا يضيع رعيته ولا يأثم على من يعول، إذا اشتكى منهم فردٌ تداعت له سائر المملكة بالسهر والحمى.
- السعوديون وعيهم أكثر شيء راق لي، نشاطهم، تفاعلهم الحي مع قضاياهم وانطباعاتهم الذكية على كل المخالفات التي قد تطرأ في أجهزة الدولة أو القطاعات الخاصة، نظامهم الأمني قوي وفعّال، الأهم من ذلك قدرة العائلة السعودية الكبيرة على التوحد أمام كل التحديات التي تواجههم باستمرار، وبسالتهم في التصدي لمشروعات التمزيق الخبيث التي تحيط بهم وبالدول المجاورة.
- منذ فترة.. أراقب صامتاً ردود فعل القيادة السعودية الشابة وأمراء المناطق، حيال بعض الحوادث الإرهابية التي يتعرض لها جنودهم في الحد الجنوبي، أشاهد اللوعة في وجوه الأمراء والقادة العسكريين، الخشية على جنودهم بدافع المحبة والأخوة، الاهتمام الحقيقي، العناية الشاملة، لكأن المصاب أحد أفراد العائلة، وهو كذلك ما دام سعودياً.
- في اليمن قتل الحوثيون ستين ألف جندي نظامي، وبعد أشهر اعتذرت الحكومة اليمنية عن الحروب الست، واعتذر الجنرالات العسكريون واعتبروا ذلك خطأ أخلاقياً جسيماً لا يتكرر!، ذلك يعني أن ستين ألف من خيرة شباب اليمن لم يكن كافياً لإقامة الحد على كل من شارك في ذلك الصراع الأسود العابث. وفي المقابل تخلى «صالح» عن ثلاثة ملايين عضو بحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه منذ العام 1982م، وطالبهم بالتحالف العلني مع ميليشيا الحوثيين الغاشمة، المناقضة لفكرة الجمهورية من أساسها، ورطهم في خصومة مع تاريخهم، وسلمهم عرايا في مهرجان يستحضر فكرة الولاية السياسية والدينية المقدسة لسلالة تدعي حقوقها الغاصبة للحكم.
- لقد ساهم الرئيس اليمني السابق في ذبح بلاده، وتجويع أنصاره وتدمير كبريائهم وإذلالهم بصورة بشعة، لم يدركها من بقي في كنفه صاغراً ومستفيداً من أموال الأمة اليمنية التي عانت الشقاء والويل والظلام وسنين التخلف والحرمان، من يقارن المجازر التي يتعرض لها اليمنيون منذ أزل بعيد بما يحدث في غيرها من الدول والجماعات والممالك يتألم على الوضع الذي لا يرى في مثل هذه الجرائم دليلاً لإدانة الوعي المقلوب، ومع ذلك لم يشعر أحد بالدوار!
- ثلاثون ألفا ممن قضوا نحبهم في حروب الحوثيين لا يمكن نسيانهم بسهولة، ثلاثة ملايين عضو في حزب المؤتمر الشعبي العام لا يجوز إذلالهم ببساطة، وهم في الوعي السعودي - مثلاً - كارثة قائمة بذاتها لن يسمح بها أحد، المواطن السعودي مقدس في بلاده، وبلاد الآخرين، والآلاف من الأرواح الطيبة في اليمن لا تلقى قليلاً من الشفقة أو الاحترام في ميزان صراع القادة المجرمين في اليمن. وحين يستعيد اليمنيون وعيهم الإِنساني قبل أي شيء، سيفكرون في أمرهم وضرورة المشاركة بإيجابية وفي هذا العالم الذي لا يحترم الضعفاء والمتناحرين بل يأخذهم وقوداً لصراعاته البائسة.. فقط.
وإلى لقاء يتجدد
** **
كاتب وصحفي يمني، مدير عام الإدارة العامة للإعلام بجامعة ذمار