عبدالله بن سعد العمري ">
لطالما حذرت السعودية من تبعات رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، ولطالما أيدت الرياض وجود تعهدات إيرانية شفافة لا تتوقف بعد شهر واحد من الاعتناء بها. ولكن يبدو أن حكومة طهران لا تريد أن تتماشى مع الاتفاقيات الدولية، بل هي تجد شغفها في التملص من التزاماتها الدولية تجاه اتفاقيات حظر برامج الانتشار الصاروخي الذي يعتبر حاليا أهم بنود الخلاف القائم حول جدية طهران في البقاء ضمن محيط السلام في المنطقة.
لقد كان القلق السعودي يسبق دائما خروقات طهران التي ما إن توقفت عند تفكيك برنامجها النووي قبل أيام، حتى بدأت في تشكيل المنظومة الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، كاشفة بذلك عدوانيتها المستمرة تجاه جاراتها دول الخليج ودول المنطقة.
ولقد بات العالم أجمع على علم بأن المملكة العربية السعودية تبني سياقات توازنها العسكري مع جاراتها على أساس الدفاع, وأنها مع شركائها مصر والأردن والمغرب ودول الخليج والسودان لا يتوقون إلى امتلاك أسلحة هجوم, وإنما إلى أسلحة ردع, لأنها دول ذات استقلال سياسي عن أي مرجعية تقودها لمشروع طائفي أو ثوري, وهي في الوقت نفسه ذات سيادة مستدامة, فنخبها السياسية وصناع قرارها يمضون على نهج سياسي خارجي وحيد, لا يقول فيها ملوكها أو رؤساؤها كلمة ثم يناقضها معهم وزراء خارجيتهم أو أجهزتهم الخارجية المختلفة, فهي دول ذات طابع سياسي عالمي بامتياز.
ومن البدهِّي اليوم أن تتلقى المملكة العربية السعودية موجات ارتدادية انتقامية متوقعة عقب فضحها للمشروع الصفوي في المنطقة والذي طال دولا أنهكها الضعف السياسي كاليمن وسوريا والعراق وبعض الأجهزة اللبنانية، وستعجل إيران كما يبدو لي بتنفيذ ما بقي لديها من أحلام واهية في المنطقة، فقد عاشت هذه الحكومة ذات المرجعية الدينية الثورية أياما سوداء إثر إعلان السعودية لما يشبه المواجهة الدبلوماسية معها.
وأقول: إن قيادة السعودية اليوم مشروع دفاعها عن الخارطة السياسية والديموغرافية لكامل المحيط العربي ابتداء من باب المندب وانتهاء بميناء طرطوس سيحتاج من جميع شركائها بالإضافة إلى الرافد المهم في مقومات هذه الثورة الشاملة المؤقتة وهو الشعب السعودي، سيحتاج منهم جميعا ربط الأحزمة، والتحليق عاليا مع طائرة كروت الضغط التي يبدو أن الرياض ستلعبها من الآن.
ومن هنا يجدر بنا القول: إن غياب الإدارة الأمريكية التام عن تناول شؤون حلفائها بجدية وعما يهدد استقرار دول الخليج؛ سيقود الرياض إلى لعب الجزء الذي يهمها من دور الولايات المتحدة المفترض في المنطقة، ونحن على أمل أن يتفهم شركاؤنا في الغرب قيمة السيادة السعودية.