قد يبدو هذا العنوان غريباً وغير متصور؛ لكنه واقع مؤلم يحدث أمام أعين أبناء ذلك الرجل المدخن، وإخوانه، وأحبابه؛ دون أن يستطيعوا إيقاف ذلك الاختراق الذي يحدث شيئاً فشيئاً ولا حيلة لمن رآه إلا أن ينبهه، فإن لم يتنبه فإن السيجارة ستنغرز في قلبه؛ ثم يضيق نفسه ويشعر بألم الفراق والبعد عن الأهل والأحباب، وعند ذلك يصعب معرفة ما هي الكلمات التي يمكن أن يقولها؟ وكيف ستكون تلك النهاية المؤلمة؟ وما هي نتائجها عليه وعلى أسرته؟
حدثني والدي - رحمه الله - عن قصة رجل كان يدخن بشراهة فأصيب بسبب التدخين بأمراض في شرايين القلب وفي الرئتين وأدخل إلى المستشفى ثم قرر الأطباء أن التدخين بالنسبة له يعتبر قاتلا، ولم يعد قلبه يحتمل بعد ذلك وعليه أن يتوقف تماماً عن التدخين، فخرج الرجل من المستشفى وغلبته نفسه حاله كحال كثير من المدخنين فلم يستطع الصبر فذهب إلى منزله وبعد وصوله طلب من زوجته كأسا من الماء فذهبت لإحضاره وعندما عادت وجدته قد أشعل سيجارته وأمسك بها بيده وقد فاضت روحه قبل أن يشرب كأس الماء الذي أحضرته له.
إنها السيجارة الأخيرة التي اخترقت قلب ذلك الرجل ووصلت إلى سويدائه، لم يكن في حسبانه أن التدخين سيكون سببا في هلاكه، كما هو حال الكثير من المدخنين الذين يقدمون على الموت بشكل بطيء ومع مرور الأيام والليالي يزداد التأثير السيئ للدخان أو الشيشة حتى ينتهي بالمدخن إلى الوفاة.
ربما أن المدخنين يبحثون عن بعض الأقوال التي تقول: إنه مكروه وليس بمحرم، وهذه الأقوال مع ضعفها من الناحية الشرعية فإنها كذلك تصادم الواقع الذي يعيشه الناس؛ ولاسيما رأي علماء الطب وهو المعتبر في حصول الضرر من عدمه، ولو لم يكن هناك دليل شرعي فإن الرأي الطبي معتبر في الشريعة الإسلامية؛ فعلى سبيل المثال أثبتت الدراسات الطبية أن التدخين يقتل سنوياً أربعة ملايين شخص، وتقدر منظمة الصحة العالمية أن يصل العدد إلى عشرة ملايين شخص بحلول 2020 ميلادية، بالإضافة إلى مئات الملايين الذين يصابون بأمراض مختلفة بسبب التدخين.
إن الحقيقة المؤلمة لما يسببه التدخين هي برهان ساطع ودليل واضح على وجوب التوقف عن التدخين طاعة لله سبحانه وتعالى أولاً ثم حفظاً لهذه النفس التي أمر الله تعالى بحفظها من كل ما يؤذيها أو يؤدي بها إلى الهلاك، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} [سورة النساء]. قال البغوي رحمه الله في تفسيره: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} قال أبوعبيدة: أي لا تهلكوها، ثم قال: وقيل: أراد به قتل المسلم نفسه، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة». كما قال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة - 195]. وقال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار».
وقد ثبت طبياً أن التدخين سبب لسرطان الحنجرة والقصبات الهوائية، وسرطان المعدة والبنكرياس، وتصلب الشرايين.
وفوق كل ما ذكر من الأضرار فإن التدخين ليس فيه أي فائدة تذكر فلا يستفيد منه المدخن في بناء جسمه، أو في تحسن صحته، وبذلك يكون التدخين ضررا محضا لا فائدة فيه.
فهل يا ترى سيقلع المدخن بعد أن يعلم أن السيجارة تخترق قلبه وتودي بحياته، أتمنى ذلك.
د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي - أستاذ العقيدة المساعد بجامعة شقراء