نشرت جريدة الجزيرة في عددها رقم (8768) بتاريخ 18/5/1417هـ فتوى لسماحة مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الإمام العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز (1330هـ - 1420هـ) رحمه الله هذا نصها: [ما حكم زواج المسيار؟، وهذا الزواج هو أن يتزوج الرجل ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتها، فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، فما حكم الشريعة في مثل هذا الزواج؟.
فأجاب: «لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجين من الموانع ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم )، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة : فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه]، انتهى.
من التاريخ المشار إليه يتضح أن الفتوى مضى عليها عشرون عاما أي أن هذه الظاهرة المجتمعية تكمل هذا العام 1437هـ عشرون عاما في حياة المجتمع السعودي.
يتذكر من عاصر هذه الظاهرة الجديدة وقتها ما واجهته من معارضة عنيفة سواء من الخطباء والكتاب ووجهاء المجتمع ومن حميته مفرطة في شأن المرأة عندما أجيز هذا الزواج من المجمع الفقهي في دورته (18) عام 1427هـ وكانت قناة الإخبارية السعودية قد استضافت في حينه أمين المجمع الفقهي أ.د. صالح المرزوقي للحديث عن قرار المجمع بإجازة زواج المسيار.
وما يجدر الإشارة إليه أن هناك علماء راسخين معتبرين قد منعوا هذا الزواج كالشيخ الألباني رحمه الله انظر: « أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة « (ص 28، 29) كما حكي عن بعض أهل العلم توقفهم فيه.
وعلى رأي المجيزين فقد استغل بعض الرجال هذا العقد بصورته الجديدة على المجتمع ولاقى استحسان عدد من النساء فبتن تحت مظلته المنقوصة في الحقوق متمثلين بالمثل القائل: نص العمى ولا العمى كله.
المدقق في الفتوى يدرك أنها كانت تستهدف بالدرجة الأولى إعفاف المطلقات والأرامل بالذات من لديها أولاد في سن الحضانة وكذا من هي مسؤولة عن أسرتها أو مرتبطة بوالدين بلغا من الكبر عتيا أو معاق سيما في زمن خرجت المرأة فيه للعمل وصار لها دخل تنفق منه.
بعد عشرين عاما ماذا جنت المرأة من (نص العمى)؟
إذا تمعنا في بعض المشاهد التي أفرزها هذا الزواج المنقوص في الحقوق لوجدنا وقائع سلبية بعضها يعود لتقاليد المجتمع وآخر ناتج عن فساد الذمم والزمن ومنها:
أن هذه الحياة الزوجية التي رضيت الزوجة أن تكون منقوصة انسحبت على أولادها الذين لا يحظون برعاية والدهم وربما كانت نفقتهم منقوصة كذلك مقارنة بأولاده من الأولى ، فضلا عن وعيهم بازدراء المجتمع لمثل هذا الزواج.
كما أن بعض الأزواج برغم إعلانه زواجه المسيار للقريبين منه إلا أنه بدهائه أخفاه عن زوجته الأولى فظلت زوجة المسيار في حالة قلق من إنهاء الزوج لهذه العلاقة بغية المحافظة على الكيان الأصل من الانهيار.
وظهر في الأزواج عديم المروءة فاتفق مع زوجته على عدم الإنجاب اتفاقا بصيغة تهديد مستغلا حاجة المرأة للمسكن أو النفقة.
كما أن امرأة في حكم المهملة لا يعلم الزوج عن خروجها وولوجها صارت عرضة للهمز واللمز بحكم تقاليد المجتمع وإن كانت عفيفة وهي إن شاء الله كذلك.
ومن الزوجات من زال ظرفها الذي ألجأها لهذا الزواج المنقوص فطلبت من زوجها مساواتها بزوجته الأولى في المبيت والسكن والنفقة وتفاجأ بتعنت الزوج وربما صعقت بالطلاق.
وبرغم ظهور هذه السلبيات فلا يكاد ينكر منصف أن هذا الزواج قد حل بعضا من مشاكل المرأة في مجتمعنا السعودي بعد أن أصبحت تكاليف الزواج باهظة إن لم تكن للظهر قاصمة وتزايد نسبة الإناث عن الرجال ووقوع المطلقة والأرملة أسيرة لأولادها ومن لا عائل لها.
ويبقى السؤال ، بعد مضي عشرين عاما على ظهور زواج المسيار وتحوله من فرضية نظرية إلى واقع مشاهد وما أفرزه من نتائج إيجابية ومثلها سلبية ، هل مازال المجتمع يزدري هذا الزواج؟ وهل من أجاز هذا الزواج ومن منعه ومن توقف فيه مازال على رأيه أم تغيرت نظرته؟.
د. عبدالرحمن المرشد - عضو هيئة التحقيق والادعاء العام
Dr_almarshad@hotmail.com