د. أحمد الفراج
في بداية القرن التاسع عشر، وفي منزل متواضع جدًا، في مقاطعة نائية، في ولاية كنتاكي الأمريكية، ولد طفل يسمى إبراهام، ولم يكن أحد يتخيل أن هذا الغلام المريض، والفقير، والنحيل سيكون واحدًا من أعظم الزعامات العالمية، واحد أفضل ثلاثة رؤساء عبر التاريخ السياسي للولايات المتحدة، وأعني هنا الرئيس الأمريكي الاستثنائي، ابراهام لينكولن (1860-1865)، الذي غيّر وجه التاريخ، فيما يتعلق بالجنس البشري، وذلك عندما جعل أولويته الرئاسية هي الحرب الرق، الذي كان شائعًا في الجنوب الأمريكي، فقد كان السود يجلبون من إفريقيا في ظروف سيئة جدًا، ويموت معظهم في البحار، ومن ينج منهم، يباع في أسواق النخاسة للمزارعين البيض، الذين كانوا يملكون مساحات شاسعة من الأرض، وهي الأراضي التي استولوا على معظمها من سكان أمريكا الأصليين، أي الهنود الحمر، والذين بدورهم ذاقوا الويلات من ظلم الرجل الأبيض، وما زالوا يعيشون في محميات خاصة بهم، حتى يومنا هذا.
وعلى عكس معظم الرؤساء الأمريكيين، الذين سبقوا لينكولن، والذين كانوا من الطبقة البرجوازية الإنجلوسكونية، كان إبراهام لينكولن ينتمي لعائلة متوسطة الحال، عملت بالزراعة، وتنقلت بين عدة ولايات، وذلك منذ ولادته حتى بلوغه سن الشباب، ولكنه كان طموحًا، امتلك كل مواصفات الزعامة، وبعد استقراره، أخيرًا، في ولاية الينويز، انتخب لمجلس النواب في الولاية، ثم لمجلس النواب الفيدرالي، وقد بدأت مواهب القيادة لدى لينكولن تتبلور، ثم اشتهر على مستوى الولايات المتحدة، بعد مناظراته التاريخية عن الرق، مع عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، ستيفن دوقلاس، وهي المناظرات التي لا تزال أدبياتها تطرح وتناقش حتى اليوم، بل وألفت عنها الكثير من الكتب، وألقيت عنها المحاضرات، وإلى يومنا هذا، يندر أن يتحدث سياسي أمريكي، خصوصًا المرشحين للرئاسة، دون أن يتطرق لسيرة لينكولن، أو يستشهد ببعض مقولاته، لأن أي سياسي طموح يعلم أن حديثه عن لينكولن سيجذب الناخبين، وسيرفع من قيمة برنامجه الانتخابي.
في عام 1860، انتخب لينكولن لرئاسة أمريكا، وكان تململ الأرقاء السود في الجنوب الأمريكي قد وصل ذروته، نتيجة ما يعانونه من عذاب، على يد الرجل الأبيض، وبعدما بدأ بعض السود الأرقاء يتمردون، ويحاولون الهروب إلى الشمال الصناعي، الخالي من الرق، أسس المزارعون البيض فرقًا شرسة لاصطياد من يهرب من العبيد، وكانت هذه الفرق تلاحق السود الهاربين على الخيل، وتتصيدهم بالشباك، وتقطع رجل من يتم القبض عليه منهم، وهنا برز دور الزعيم الكبير، ابراهام لينكولن، فقد أدرك بحسه الحاذق أن عليه أن يفعل شيئًا، قبل أن يتفاقم الوضع، وتحدث ثورة تؤثر على الوضع المستقر للإمبراطورية الأمريكية الناشئة، وحينها أعلن عن تحرير الأرقاء، وهو الأمر الذي كان صاعقًا للأثرياء الإقطاعيين، في الجنوب الأمريكي، وكانت نتائجه مدمرة، ولكنها أعادت بناء الولايات المتحدة، لتظل امبراطورية عظمى، حتى اليوم.