د. أحمد الفراج
عندما فاز الرئيس بيل كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة، في عام 1992، أصبح شعلة من النشاط، أكثر من أي مرشح آخر، فقد كان طموحه، وإصراره على الفوز بالرئاسة، لا تحده حدود، وقد قطع القارة الأمريكية، طولاً وعرضًا، وكان لولاية متشجن، التي أسكن في إحدى مدنها، في ذلك الحين، نصيبًا وافرًا من تلك الزيارات الكلنتونية، بحكم أنها ولاية كبيرة من جهة، ولأنها المركز العالمي لصناعة السيارات، إِذ تعتبر أكبر مدن الولاية، مدينة ديترويت، هي عاصمة صناعة السيارات العالمية، وقد زار كلينتون الولاية كثيرًا، إِذ جاء إلى مدينة لانسنق، عاصمة الولاية، ومقر جامعة ولاية ميتشجن الشهيرة، عدة مرات، وقد كنت وزملائي، من سكان تلك المدينة وطلاب تلك الجامعة، شهودًا على تلك الزيارات، فقد كانت شعبية كلينتون في أوجها، خصوصًا لدى طلاب الجامعات الشباب، إِذ كان يمثل لهم الحلم الأمريكي، علاوة على جاذبيته، ولطف معشره، وتواضعه مع الناخبين.
وفي ذات يوم ربيعي جميل، من عام 1992، كنت مع بعض زملائي نصطف مع الآلاف من طلاب الجامعة على جنبات الشارع الرئيس، خارج الحرم الجامعي لجامعة ولاية متشجن، انتظارًا لقدوم المرشح الرئاسي الشاب، بيل كلينتون، ولم يخب الأمل، حيث قرر كلينتون أن ينزل من موكبه الفخم، ويسير على قدميه في الشارع، ويصافح الشباب المتحمس له، وعندما وصل كلينتون إلى كاتب هذه السطور، صافحني بحرارة، وقال: «صوت لي»، فقلت له: «سيادة الحاكم: أنا أجنبي، ولا يحق لي التصويت»، فقال مازحًا، وهو يضحك تلك الضحكة المجلجلة، التي اشتهر بها: «صوت لي على أي حال، فأمريكا بحاجة لرئيس يصلح شأنها»، وقد تلطف كلينتون مع جميع الموجودين في ذلك اليوم، الأمريكيين والأجانب، إِذ اشتهر عنه عدم الضجر، وقضاء الساعات الطويلة في الالتقاء مع الجموع الشعبية، ومصافحة الجميع، والحديث معهم، وبعد عدة أيام، ومن باب المزاح وحب الاستطلاع، ذهبت إلى مقر الحزب الديمقراطي في مقاطعة انقهام، وقلت لهم: إن المرشح بيل كلينتون قد طلب مني التصويت له، فهل يحق لي ذلك؟!، فقالوا: إن ذلك غير ممكن، ولكن عليك أن تشجع زملاءك الأمريكيين على التصويت له!!.
ولم تتوقف حكايتي مع بيل كلينتون عند هذا الحد، فبعد ثلاث سنوات من فوزه بالرئاسة، وهو العام الذي تخرجت فيه من جامعة ميتشجن ستيت، بعد حصولي على الدكتوراه، وصلتني دعوة خاصة من الجامعة، تفيد بأن حفل التخرج سيكون على شرف فخامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وليام كلينتون، وهذا تقليد أمريكي عريق، إِذ يختار الرئيس، أي رئيس، وبناء على معطيات عدة، إحدى الجامعات، ليشرفها بحضوره لحفل تخرج طلابها، وقد تشرفت، ضمن مجموعة من الحاصلين على شهادة الدكتوراه بلقاء الرئيس كلينتون، في يوم مشهود، لن يمحى من الذاكرة، فيا للصدف التي تحصل في هذه الحياة، ويا للذكريات التي لا تنسى، أما مشاعري تجاه الرئيس كلينتون فهي إيجابية، لا بسبب الحديث أعلاه وحسب، بل لأنه رئيس مرمرق، فهو، وبشهادة معظم المؤرخين، أفضل رئيس أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، فاقرؤوا سيرة هذا الرئيس، فهي تمثل الحلم الأمريكي!!