خالد بن حمد المالك
لا أعترض على من خياره المضاربة في سوق الأسهم، ولا أقلّل من فرص اقتصادية لا يخلو منها التعاطي مع التجارة، ولا ألوم من يجد نفسه من المواطنين في تجارة العقار، أو أن يمارس أعمالاً مهنية أخرى كثيرة، وكلها خدمات تحتاج إليها البلاد، وكلها فرص للإثراء وتحسين الوضع المادي لمن يمارسها أو يستثمر فيها، وجميعها أعمال تقتضيها مصلحة الإنسان والبلاد على حد سواء.
***
وأفهم - كغيري - أن القطاع الخاص يعتمد على هذه وغيرها في تجارته الرابحة، وفي إعماره للأرض، وفي تنويع فرص العمل والاستثمار، وأن مثل هذه النشاطات تمكّن أعداداً من المواطنين وغير المواطنين من وجود فرص عمل فيها، وبالتالي اكتساب خبرات ربما قادتهم لاحقاً إلى الانتقال من العمل الوظيفي إلى تأسيس مشروعات مماثلة، وفيها خير لهم وللوطن والمواطن، أي أن الطبيعة وناموس الحياة، وحيثما يجد الإنسان نفسه، تقتضي منه بأن يمارس ويتبنى ويستثمر في مثل هذه المجالات.
***
غير أن الصناعة، والاستثمار في المجال الصناعي، هو بنظري الخيار الأفضل، فعائدها كما يقول الصناعيون هو الأكبر، وفائدتها للوطن أضعاف ما تحققه تجارة الاستيراد من الخارج للصناعات والاتجار فيها، فضلاً عن أن توطين الصناعة يُبقي العملة الصعبة في بلادنا بدلاً من أن تنتقل إلى مصادر الاستيراد، كما أن المصانع هي فرص وبيئات مناسبة للتوظيف واكتساب الخبرات، وتهيئة من يعمل فيها من المواطنين إلى أدوار مستقبلية أفضل.
***
لقد أصبحت - كما يقولون - في مرمى وزارة التجارة والصناعة، بعد نقل صندوق التنمية الصناعي لها، ما يعني أن الوزير النابه الدكتور توفيق الربيعة بما عُرف عنه من همة ونشاط وإخلاص غير محدود سيكون أمام مسؤولية تاريخية بالانتقال المفترض بالصناعة من المحدودية والتواضع إلى آفاق تلبي وتستجيب لمرحلة ما بعد البترول، أي البدء من الآن بالتخطيط والتنفيذ وتوفير الأموال من خلال حشد الراغبين بالدخول في هذا الميدان، وطمأنة وتشجيع رجال الأعمال من خلال الإعلان عن الضمانات الحكومية التي تحفظ حقوقهم وأموالهم إذا ما استثمروا في القطاع الصناعي.
***
ولابد من التذكير بأن المملكة كان لها تجربة ناجحة ورائدة في اقتحام الميدان الصناعي بقوة من خلال إنشاء شركة سابك، حيث ولدت من رحم وزارة الصناعة، وخرجت إلى النور من مظلة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وظهرت نتائج نجاحها المبهرة مبكراً في صناعات الحديد والبتروكيماويات، وهي تجربة ناجحة بكل المقاييس، ويمكن إعادة المحاولة وتكرار التجربة في أنواع أخرى من الصناعات، ومن خلال شركات ومؤسسات برؤوس أموال ضخمة يشارك فيها القطاعان الخاص والعام.
***
إن وزارة التجارة والصناعة مدعوة إلى تفعيل هذا التوجه من خلال صندوق التنمية الصناعي، بالبحث عن فرص صناعية يمكن الاستثمار فيها محلياً، وقد يكون من المصلحة إشراك دول متطورة صناعياً في ملكية بعض المصانع المؤمل إقامتها للاستفادة من تجربتها وخبراتها وتميّز صناعاتها في نقل هذه الخبرة إلى المملكة، والتعاون معها على شراكة في إقامة المصانع الخفيفة والمتوسطة التي تحتاج إليها المملكة، ويتم الاتفاق عليها بضمانات حكومية تشجع هذه الدول على دخول سوق المملكة.
***
باختصار شديد، فإن تشكيل لجنة الاقتصاد والتنمية، وإسناد مسؤولية صندوق التنمية الصناعي لوزارة التجارة والصناعة بحكم الاختصاص، يجعل من عهد الملك سلمان فرصة لتحول المملكة من دولة تعتمد على الاستيراد في كل شيء إلى دولة صناعية واعدة، تغطي مصانعها المنتظرة حاجتها، وما يزيد من الإنتاج يتاح تصديره مثلما تفعل جميع الدول الصناعية، سيما وأن لجنة الاقتصاد والتنمية بقيادة الأمير محمد بن سلمان، تقدم حراكاً غير عادي، وهو حراك يسير - كما تتصور - في تشجيع هذا الاتجاه الصحيح.