خالد بن حمد المالك
عام مضى وانتهى، كان فيه ما فيه، من الإنجازات ومثلها من التحديات، ولم يمر هذا العام دون أحداث تذكر، أو تاريخ من غير أن يسجل، بما في ذلك الأرقام والحقائق التي تجبرك أهميتها بأن تقف متأملاً عندها، ومشاهد وشواهد لا تستطيع العين نسبة لجاذبيتها أن تغيب عنها.
***
سنة مضت من عمر سلمان في حكم البلاد، وأعمارنا جميعاً، كان ما حدث خلالها شاهداً على التجديد والابتكار في إدارة الدولة، ولم تكن أيامها إلا ورش عمل، وصناعة نجاح، وتوجه نحو الأفضل، إصلاحاً، وبناء قوة، والتحوّط والاستعداد لما يخفيه المستقبل.
***
كنا مع سلمان - الملك - نتفاءل مع خطاه الإصلاحية، ومع إنجازاته الكبيرة بعددها ونوعيتها، بل هو من كان معنا بقلبه ومشاعره، وحرصه على بلوغ ما يرضينا ويسعدنا، في زمن صعب، وسنة حفلت بكل أوجه التحديات، فأدار المعركة بحكمته وجلده وصبره وشجاعته على النحو الذي جنب بلادنا ومواطنينا الأخطار التي تحاك ضدنا.
***
وفي ذكرى البيعة الأولى لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، تبرز أمامنا جهوده في بناء دولة المؤسسات، وعمله في صناعة المستقبل المضيء للمملكة، ومواقفه التي لا تنسى حيثما كان هناك ما يستحق أن تكون له فيه كلمة، ومع هذه السنة التي انقضت بشهورها وأيامها، تستعيد الذاكرة كل تلك الومضات المشرفة، وتتأملها، مدركة أن الوطن والمواطن بيد أمينة، ومع قائد يحسن المحافظة على الأمانة.
***
كان الملك سلمان منذ اليوم الأول لتسلمه مقاليد الحكم، وهو في حركة لا تهدأ من أجل خدمة وطنه ومواطنيه وأمته العربية، إذ بدأ عهده بتغيير في القيادات في عدد من الوزارات ومؤسسات الدولة، وبادر في إعادة النظر في عدد من المجالس واللجان العليا المتخصصة، وتم دمجها في مجلسين، وصاحب ذلك دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة، وقرار مهم بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، وصدور ميزانية مثالية في ظل الانخفاض الحاد في أسعار البترول، وغير ذلك كثير.
***
عهد سلمان أعطى للفساد والشفافية أهمية غير عادية، باللغة الصريحة التي لا تكاد تكون هناك كلمة أو تصريح للملك أو ولي عهده أو ولي ولي عهده دون إشارة لها، وهي تمثل استشعاراً من القيادة بحجم الضرر الذي ألحقه الفساد بمقدرات الدولة، وأنه آن الأوان لوضع حد له، ومحاسبة من يدان فيه، وتلك -كما يرى الجميع- بوابة تطور المملكة اقتصادياً وتنموياً وأمنياً.
***
وكان برنامج التحول الوطني -وإن شئت التحول الاقتصادي- في عهد الملك سلمان من بين أهم إنجازات السنة الأولى، فقد حمل من المضامين والرؤى والتخطيط والبعد الاقتصادي ما يؤمل أن يكون رافداً رئيساً في تحسين البيئة الوطنية بثقافتها وتعليمها وإعلامها وعملها واقتصادها وحسن إدارتها وخلوها من الفساد، واعتمادها على الإفصاح والشفافية، ما يهيئ الوطن لتكون مسيرته تتم بمواصفات وتخطيط أفضل.
***
ولأن الوطن لا يمكن له أن يتطور، ولا لمواطنيه أن يكونوا في مأمن بدون استتباب الأمن، فقد سارع الملك سلمان في تأمين الحد الجنوبي بالضربة القاضية التي فاجأ بها الحوثيين والمخلوع صالح تحت عنوان «عاصفة الحزم»، فلم يترك لهم إثر ذلك فرصة ليتنفسوا من خلالها لإيذاء المملكة، بل إنه بهذه الخطوة قضى على أحلام إيران في استثمار اليمن لمد نفوذها إلى هذا الجزء الغالي من الوطن العربي.
***
بل إن مكانة المملكة وملكها مكَّنا خادم الحرمين الشريفين من أن يحشد القوات العربية لتكون إلى جانبه في حربه لإعادة الشرعية إلى اليمن الشقيق، وهي ذات المكانة التي اعتمد عليها لجمع أربع وثلاثين دولة بالرياض لإقامة تحالف لمحاربة الإرهاب، وامتداداً لهذه الرؤية، فهذا العهد هو من هيأ الإمكانات ووظف القدرات لجمع المعارضة السورية في الرياض للتوافق على رأي لإنقاذ سوريا من الدمار وشعبها من الفناء.
***
ولا ننسى زيارات قادة العالم وزعمائه للمملكة؛ للتنسيق مع سلمان فيما يعزز العلاقات الثنائية، ويخدم مصالح العالم، بما للمملكة من وزن وأهمية وتأثير على المستوى الدولي، فهذه البلاد يشهد لها العالم بمواقفها المعتدلة، وحكمة قادتها على امتداد التاريخ في تعاملها مع الأحداث، بما لا غنى عنها بأن تكون طرفاً وشريكاً في أي موضوع أو قضية تحتاج إلى دور يمكن أن تسهم به في ذلك.
***
وكان حضور الملك سلمان لقمة مجموعة العشرين في تركيا، واستضافة الرياض لقمة مجلس التعاون لدول الخليج، وقبلها احتضانها للقمة التي جمعت الدول العربية بدول أمريكا الجنوبية أهمية كبرى، وله في هذه القمم مبادرات وضع من خلالها المجتمعين أمام مسؤولياتهم في دعم الأمن والسلام في العالم، وبناء تحالفات لهزيمة الإرهاب، ضمن سياسات عبر عنها الملك سلمان في خطاباته في هذه المؤتمرات وفي غيرها.
***
وحين شكل الإرهابيون السعوديون مظلة لإيران كي تمارس محاولاتها لزعزعة الاستقرار في المملكة، نفذ حكم الشرع بحق سبعة وأربعين إرهابياً، فكان رد إيران - الداعمة للإرهاب - كمن ينطبق عليها (يكاد المريب يقول خذوني) بإحراقها السفارة والقنصلية السعوديتين احتجاجاً على تنفيذ القتل بهؤلاء المجرمين، ليأتي الموقف السعودي قوياً وحاسماً بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية ومنع سفر السعوديين إلى إيران، بما كرس من جديد عزلتها الدولية، وإبقاءها دولة منبوذة في العالم.