الجزيرة - المحليات:
وسط حضور سياسي وأكاديمي وإعلامي لافت، شهدت جامعة بيروت العربية الثلاثاء الماضي مناقشة معالي سفير المملكة العربية السعودية في لبنان علي عواض عسيري أطروحة الدكتوراه التي أعدها باللغة الإنكليزية تحت عنوان: (التعاون الاقتصادي الإقليمي في العالم العربي: الخيار الأمثل بعد الربيع العربي).. وذلك أمام لجنة تحكيمية تألفت من الدكتورة نهال فريد مصطفى، عميد كلية إدارة الأعمال كأستاذ مشرف رئيس، وعضوية ثلاثة دكاترة ومشرف مشارك من جامعة أوكسفورد البريطانية، حصل بعدها السفير عسيري على شهادة الدكتوراه بالدرجة الممتازة.
وقد عكست كثافة الحضور في قاعة جمال عبدالناصر مدى أهمية الموضوع الذي اختاره السفير عسيري لإعداد أطروحته كونه من أبرز المواضيع التي تشغل الحكومات العربية خلال المرحلة الراهنة، حيث تقدم الشخصيات التي حرصت على الحضور فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة اللبنانية السابق الأستاذ فؤاد السنيورة ووزير الشئون الاجتماعية الأستاذ رشيد درباس، وعدد من النواب، ووزراء سابقون، وسفراء وقيادات أمنية وإعلاميون ومثقفون ومحللون ومتخصصون من كافة وسائل الإعلام وأبرز مراكز الدراسات اللبنانية.
حرص السفير عسيري في بداية المناقشة على التوضيح أنه يتواجد على منبر الجامعة كمرشح لنيل شهادة الدكتوراه وليس كسفير وأن مضمون أطروحته يعبّر عن آرائه الشخصية ولا يمثل في أي حال من الأحوال وجهة نظر حكومة المملكة العربية السعودية، وانطلاقاً من تعاطيه الأكاديمي العلمي مع الموضوع وليس من موقعه الرسمي استطاع التعبير بشكل جليّ وموضوعي عن التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم العربي إثر ما عُرف بـ(ثورات الربيع العربي) وطرح تشخيص كامل لأسباب اندلاع هذه الثورات والحلول اللازمة لها.
رأى السفير عسيري أن العالم العربي بحاجة إلى خطة اقتصادية نهضوية لمعالجة الاضطرابات الإقليمية غير المسبوقة، وأن لكل دولة عربية قيمها التقليدية والاجتماعية والثقافية والسياسية الخاصة بها مما يجعلها بحاجة إلى جدول زمني تدريجي ينسجم مع متطلبات المرحلة للنضوج اجتماعياً وسياسياً.. إلا أن شيئاً واحداً لا يستطيع الانتظار وهو التقدم الاقتصادي للدول العربية، معتبراً أن العالم العربي بحاجة إلى التطور التدريجي وليس إلى الثورة لأن الجذور الاجتماعية والثقافية والتداعيات السياسية لانتفاضات عام 2011 أثبتت أن الخطط السياسية البحتة إن لم تكن مصحوبة ببرامج اقتصادية قد تتسبب بمزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي في المنطقة.
وتابع: إن التركيبة الديمغرافية في العالم العربي أصبحت تشمل مجتمعاً أكثر شباباً وأكثر تعلماً، لكنه أصبح أيضاً أكثر بطالة وتطلباً على الصعيد السياسي، فيما لم يواكب النمو الاقتصادي في المنطقة هذا التحول الاجتماعي. لذا أصبح هذا المجتمع يشكل تحدياً مشتركاً لكافة الدول العربية، الغنية منها والفقيرة، وهذه المشكلة تتفاقم مع التوسع المدني السريع، ويلاحظ أن ما يقرب من خمسين بالمئة من السكان في مصر والمملكة العربية السعودية تتراوح أعمارهم بين الـ 15 و 25 عاماً، ومعدل البطالة في العالم العربي يتجاوز الـ 26 % مقابل المتوسط العالمي البالغ 13 %، لذا فإن العنصر الشاب الكثيف يمكن أن يتحول إما إلى عائد ديمغرافي كمصدر رئيس للاستقرار الاجتماعي والسياسي في المنطقة وإما إلى سبب لإنفجار ديمغرافي ينتج عنه المزيد مما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي"، وعليه فإن معالجة الطموحات الاقتصادية لجيل الـ"تويتر" يجب أن تتم عن طريق خلق فرص اقتصادية جديدة.
سعى السفير عسيري في أطروحته إلى توضيح أسباب عدم حصول الاندماج الإقليمي في الدول العربية على الرغم من وجود صفات استثنائية داعمة له مثل الجغرافيا المشتركة واللغة المشتركة وقاعدة الموارد الغنية، كما استعرض مختلف المبادرات الإقليمية العربية مثل مجلس التعاون الخليجي وGAFTA (منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى)، وقارن أداءها مع مبادرات إقليمية ناجحة مثل الاتحاد الأوروبي وASEAN (اتحاد دول جنوب شرقي آسيا)، كما اعتبر أن الخلافات بين بعض الدول العربية لا تعني أنه لا يمكن لبقية العالم العربي تفعيل التعاون الاقتصادي وبالتالي يمكن أن يكون للمملكة العربية السعودية دور مؤثر في قيادة عملية التكامل الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتم ذلك بالطبع، بالشراكة مع جهات إقليمية اقتصادية فاعلة أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والجزائر.
وتعتمد الدراسة التي أعدها السفير عسيري، مصر والمملكة العربية السعودية كمثال على عدم التأثر في اعقاب انهيار بعض الأنظمة إثر ثورات الربيع العربي. وتشير إلى أن التعاون الاقتصادي الإقليمي للدول العربية ذات الدخل المتوسط ودول الخليج الغنية بالنفط على حد سواء لم يعد خياراً فقط بل بات يشكل ضرورة ملحة.