كتب - المحرر الفني:
لم تكن سنة 2015 المنصرمة سنة (استثنائية) للنجاح فيما يخص الفنان رابح صقر، بل كانت سنة (تصاعدية)
طبيعية للفوز بقصب السبق لفنان يعرف متى يتحرك وماذا يفعل؟.
رابح صقر، هو اليوم واحدٌ من أكثر الفنانين الخليجيين (حظوة) عند الجمهور الذين يلتف حول رابح بالملايين
عند إصدار أيِّ أغنية.. وليس خافياً على القارئ العزيز أكثر من 33 مليون مشاهد لألبومه الأخير (أوجّه
المعنى).
رابح صقر، افتتح سنة 2016 بإصدار جديد عنوانه (هذا دمي) التي كتبها المتجدد تركي آل الشيخ، ولحنها
باقتدار نواف عبد الله، إذ ألبسها رابح صقر بصوته ثوباً أنيقاً، يثير شهية أيّ فنان يحترم الكلمة واللحن والانتصار للشّجن.
أينما بحثت عن رابح صقر في الأغنية ستجده حاضراً بـ(قوة)، فهو مطرب لا يُشق له غبار منذ مطلع الثمانينيات، وملحن طربت لأغانيه ملايين الجماهير منذ ولادته كفنان، وعازف (خطير) على العود والأورق والكمان ونحوها، وموزع موسيقي يخشاه كبار الموزعين الموسيقيين، وباختصار فهو (مختار) الساحة إن جاز لنا التعبير.
ما زلنا في الشهر الأول من السنة الميلادية الجديدة، وما زال الوقت باكراً للبعض في النهوض من غفوتهم، لكن رابح صقر يمشي بسرعة كبيرة متجهاً إلى القمة وقد لا يلحق به أحد في المدى المنظور.
وبالعودة إلى أغنية (هذا دمي) فقد انتشرت بين جمهور الأغنية مثلما تنتشر النار في الهشيم، إذ حققت أكثر
من 200 ألف مشاهدة بُعيد عدة أيام من طرحها (حصرياً) على روتانا.
أغنية (هذا دمي) كان لها ثلاثة عوامل عنوانها (التجدد)، فتركي آل الشيخ شاعر غني عن التعريف في حضوره
المدروس في كتابة الأغنية سواء الوطنية أو العاطفية، بل إن الملحوظ أن حضوره لا يمر على الجمهور مرور
الكرام، بل يترك (بصمة) لا تنمحي مع الأيام.
كذلك فإن الملحن الكويتي نواف عبد الله، هو الآخر صاحب إحساس كبير في توظيف الجُمَلْ الموسيقية في الكلمات التي تشتهيها موهبته في التلحين، هو صاحب أنفاس موسيقية (خطيرة).
أما رابح صقر، فهو فنان متكامل لم تعد كلمات المديح توفيه حقه ولعلَّ حاضره وتاريخه يشهدان بأن مستقبله لن يكون إلا رصيداً جديداً في النجاح، إن رابح صقر أثبت أن النجاح لا سقف له.
لنقرأ قليلاً هذه القصيدة التي (رانت) لها قلوب الجماهير، حين أطلَّت عليهم بصوت الصقر رابح:
هذا دمّي اللي ينزف
وهذا قلبي اللي فـ يدينك
لا تقول إنك ما تعرف
وأنت طعناتك تدينك
يعترف الشاعر في وصوله إلى أعلى مراتب الحزن، بأن الدم النازف والقلب الذي مال من بين ضلوعه، بات في
(قبضة الحبيب)، يداً طعنت وأنزفت الدم، ويميناً أمسكت بكل تفاصيل القلب.
ولأنَّ الحبيب كان (ناكراً) لكل هذا الألم، يبلغه الشاعر بضرورة عدم الإنكار طالما كانت كل الطعنات تدينه.. لكن إمساكه بالقلب في اليمين لم يكن دليل إدانة.
في عذابي كنت مسرف
وأبخل الناس بحنينك
يعني لا تحلف ولا أحلف
والعمر بيني وبينك
يقولون قديماً إن الحب (أخذ وعطاء).. وهنا تتجسّد المقولة شعراً كان صوت رابح صقر فيها ملهماً، فالحبيب
الناكر اجتمعت فيه صفتا الإسراف والبخل الشديد، فهو أنْفَقَ (التعذيب) ببذخ شديد، لكنه كان أكثر الناس
بخلاً وأشدهم في الحنين، ربما لم يمتلك هذه الصفة من شدة توصيف الشاعر الذي وضع المتناقضات في (حبيب)
واحد.
قضي الأمر، فلا حاجة له بأن يحلف الطرف (المسرف المبذر)، وحين قال له (العمر بيني وبينك) هو ليس تهديداً
مثلما قد يفهم القارئ بل هو محاولة إثبات (أخيرة) أن الأمور أخذت منحى أخيراً كما في السياق القادم:
لين صار الوضع مؤسف
أنا ويني وأنت وينك
والزمن لا بد يكشف
من خذلك ومن يعينك
عزيزي القارئ، اقرأ الأبيات أعلاه مرة أخرى، ثم تخيّل هذا الحوار، ألم تقرأ كلمات أخرى وحديثاً طويلاً؟
اقرأه مرة أخرى، ستكتشف حديثاً آخر، لم يخطر ببالك للوهلة الأولى فالوضع عند الحبيب دم ينزف، وعذاب مسرف فيه، وبخل في الحنين وطعنات تدين.
الوضع مؤسف (جداً) وكأن تنهيدة كبيرة خرجت من قلب الشاعر حين قال: (أنا ويني وأنت وينك)، وكأنه يقول: «أنا في وادٍ وأنت في وادٍ»، وتخيَّلوا وضع الطرف الآخر، وقصف الحقائق تنهال عليه واحدة تلو الأخرى.
الشاعر يُراهن على الزمن حين قال أولاً: «والعمر بيني وبينك» ويكررها ثانية بصيغته «والزمن لا بد يكشف»..
أيُّ عذاب هذا الذي بنى قلاعاً من الثقة المفرطة، ثم يكمل: (من خذلك ومن يعينك) وهنا يُثبت الشاعر للآخر
أنه كان عكسه تماماً، إذ كان مسرفاً في الحنين، وأبخل الناس في عذابه.
والعمر لحظة وموقف
تصغر الدنيا بعينك
ما هي بصدفة وتصدف
تشهد بجورك سنينك
مرة ثالثة يراهن الشاعر على الوقت لكنه هذه المرة يختزل (انهيار) الآخر في (لحظة) سريعة وبموقف ينهي كل
شيء، حينها تصغر الدنيا في عين الحبيب، وبالتأكيد فهي لن تكون صدفة، بل على قاعدة (يداك أوكتا)، فما
صنعه سيكون بانتظاره في لحظة لن تكون صدفة، بل ستكون بداية على (عمر) قادم تشهد به سنواته القادمة ليسدد
كل ما أخذه وفعله.
رابح صقر لا يختار الكلمات (اعتباطاً)، لكنه يعيش الحالة مثل أيِّ خطوة يخطوها، ولا يغني إلا لحناً يناسب الكلمات بكل معانيه ويعرف متى يغني للحزن ومتى يطربنا ومتى يزيد من التفاف الجمهور حوله.