د.دلال بنت مخلد الحربي
مكتبة الحرم المكي الشريـف مكتبة تاريخية مهمة، أُنشئت منذ قرون بعيدة داخل الحرم، وحظيت باهتمام كل من حكم الحجاز من الخلافات الإسلامية والسلطنات وصولاً إلى العهد السعودي؛ إذ قام الملك عبدالعزيز في عام 1357هـ بتأسيس لجنة لدراسة وضعها وتنظيمها، وأطلق عليها اسم مكتبة الحرم المكي.
أُسست المكتبة داخل بيت الله الحرام في إشارة صريحة وربط واضح بين الرسالة الدينية التي يؤديها المسجد والرسالة العلمية والثقافية التي تؤديها المكتبة, بمعنى أن المسجد ليس مكاناً للعبادة فقط بل هو مكان لتلقي العلم والثقافة وإنتاجهما أيضاً..
هذه الصورة الرمزية لرسالة الإسلام هي التي فهمها المسلمون الأوائل، وانتقلت جيلاً بعد جيل إلى كل قاصدي المسجد الحرام، قاصدي الحج وقاصدي العلم والمعرفة والإنتاج العلمي.
وطوال قرون نمت المكتبة مجموعتها بوقف السلاطين والملوك عليها وقفاً عينياً ومادياً ورجالات ونساء الموسرين بمكة والعالم الإسلامي، وما دخل إليها بعد ذلك من مكتبات خاصة حتى أصبحت بما تضمه من آلاف المخطوطات والكتب النادرة ثروة علمية لا تقدر بثمن. واستمر ذكرها لدى مؤرخي مكة والرحالة المسلمين، حتى أن محمد أسد الذي اعتنق الإسلام، وجاء إلى مكة في عام 1345هـ/ 1927م, قال عنها: «كنت أشعر بعقبة في الجلوس في تلك القاعة الطويلة التي تصفف على جدرانها خزائن المخطوطات العربية القديمة عدا المخطوطات الفارسية والتركية».
منذ عام 1375هـ، وهو تاريخ التوسعة الأولى للحرم في عهد الملك سعود، كان خروج المكتبة من داخل المسجد؛ لتظل بعد هذا التاريخ متنقلة من مكان إلى آخر في محيط الحرم كل عشر سنوات تقريباً حتى استقر بها المقام حالياً في حي العزيزية بعيداً عن محيطها الذي نشأت فيه، والذي أُنشئت من أجله.
إن هذه المكتبة تعاني من معوقات كثيرة؛ فهي في مبنى مستأجَر، كما أن التنقلات التي مرت بها ألحقت أضراراً بمحتوياتها من مخطوطات وكتب نادرة, ثم إن موقعها أبعدها عن قاصدي المسجد في موسمَيْ الحج والعمرة؛ ما أدى إلى قلة روادها.
مكتبة الحرم المكي:
إرث إسلامي كبير، لا بد لنا من المحافظة عليه وإعادته إلى أصله, وهي أيضاً واجهة ثقافية وعلمية مشرقة للمملكة العربية السعودية.
لذلك فإنني أطلب من الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، وبشكل عاجل، أن تنال المكتبة التقدير الذي تستحقه، والمكانة التي كانت عليها، بأن يُصمَّم لها مبنى مستقل ملتصق بالحرم وفق العمارة الإسلامية المكية؛ لتؤدي دورها الثقافي والعلمي بما يتناسب وروح العصر، ولتخدم قاصدي المسجد الحرام كما كانت عليه في السابق، ولتؤكد بوجودها بجانب الحرم القيمة العلمية التي دعا إليها الإسلام؛ إذ كانت المساجد - وعلى رأسها المسجد الحرام - هي الباعث للحركة العلمية.