يوسف المحيميد
في التقرير الذي نشرته «وود ماكنزي» لاستشارات الطاقة، وأشارت فيه إلى أن هناك مشروعات في قطاعَيْ النفط والغاز بقيمة 380 مليار دولار تم تأجيلها أو إلغاؤها، تأكيد على أننا نعيش دورة عادية لانخفاض أسعار البترول، سرعان ما تنتهي، وتعاود الأسعار الارتفاع من جديد، كما حدث في 2009، وقبل ذلك في 1998، وفي الثمانينات، وغيرها على مدى أكثر من نصف قرن.
صحيح أن دول الأوبك، والدول المنتجة من خارج الأوبك، لم تتخذ قرارًا بخفض الإنتاج هذه المرة، لكن الدورة الطبيعية، وعلاقة العرض والطلب، وتكلفة إنتاج البترول في المناطق ذات التكلفة العالية، ستجبر العرض على التراجع مقابل الطلب. فحسب «وود ماكنزي»، فإنه جرى تأجيل 68 مشروعًا كبيرًا في المجمل منذ 2014 باحتياطيات مجمعة تبلغ نحو 27 مليار برميل من البترول المكافئ، ويشمل خفضًا بقيمة 170 مليار دولار خلال الفترة من 2016 إلى 2020.
وهذا يعني أن السنة الجارية وما بعدها من سنوات قد تشهد تصحيحًا في الأسعار، وارتفاعها إلى مستويات منطقية، خاصة أن إنتاج ما يقارب 2.9 مليون برميل يوميًّا من السوائل، أي بما يزيد على إنتاج فنزويلا، سيتأجل إلى العقد التالي.. وهذه كلها مؤشرات إيجابية لتحسن الأسعار في نهاية هذا العام، على ألا يقابل هذا الانخفاض في الإنتاج زيادة إنتاج مناطق أخرى من العالم، كإيران والعراق وغيرهما.
ولعل الغريب أن تنشط بعض الأصوات المعادية، وغير الموضوعية، الأجنبية والعربية؛ لتتهم السعودية بإغراق السوق، وعدم قيامها بدور المرجح كالعادة بخفض إنتاجها، سواء وحدها، أو مع دول الأوبك، لكن الدرس القاسي الذي تعلمناه في الثمانينيات، حينما كنا آنذاك نتبنى سياسة الدفاع عن الأسعار، ووحدنا في الغالب، هو ما جعلنا الآن أكثر عقلانية، وأكثر وعيًا؛ فقد بادرت السعودية حينما انخفضت الأسعار في مطلع الثمانينيات إلى خفض إنتاجها؛ وبالتالي فقدت حصتها السوقية بانخفاض إنتاجها من عشرة ملايين برميل يوميًّا عام 1980 إلى مليونين ونصف المليون برميل يوميًّا فقط في منتصف 1985، أي أنها فقدت نحو ثلاثة أرباع إنتاجها من البترول خلال خمس سنوات فقط. وفي المقابل تذبذبت الأسعار، وعادت إلى الانخفاض من جديد؛ ففقدنا العملاء، والحصة السوقية التي تخصنا، والسعر الذي عاود الانخفاض؛ لأن غيرنا من الدول المنتجة قامت بتلبية الطلب المتزايد بسبب خفضنا الإنتاج آنذاك!
من هنا نتعامل مع البترول كسلعة اقتصادية، لها منتج وبائع، ولها مستهلك ومشترٍ. وهذه النظرة الاقتصادية المحضة قد لا تعجب البعض، لكنها تمثل واقع السوق الآن. فطالما هناك عملاء، وطلب شراء كميات، لدينا المقدرة على الإمدادات، وتلبية الطلب المتزايد.