م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
علاقة صناعة الإعلان بنا كوطن ومواطنين عقلياً وعاطفياً ومعرفياً تتجاوز كونها تدير اقتصاداً حجمه بالمليارات إلى كونها صناعة تؤثر على أفكارنا وآرائنا وعقولنا وغرائزنا.. كما تؤثر في أذواقنا في الملبس والمشرب والمأكل.. وصناعة الإعلان في المملكة اليوم لنا منها التلقي وللوافد الصناعة والإدارة والتوجيه.. هذه الصناعة الوطنية المتهالكة رغم حجمها تجعلني أتساءل: هل بناء صناعة إعلان وطنية ناجحة أصعب مما تم بناؤه في المجالات التنموية الأخرى؟.
لا شك أن بناء هذه الصناعة ليس أكثر صعوبة مما تم بناؤه.. كما أن التطبيق العملي المطلوب للبناء.
لن يتم اختراعه من جديد.. بل سبق أن طبقناه في مجالات أعقد منها مثل صناعة الإنشاءات والاستشارات الهندسية.
فمع انطلاقة الطفرة الأولى وسط السبعينيات الميلادية لم يكن في بلادنا خدمات استشارية هندسية على الإطلاق.. كما لم يكن لدينا مقاولون وطنيون بالحجم الذي يسمح بالمشاركة في المشاريع باستثناء ابن لادن.. فكان أن تقدمت الدولة في ذلك الحين بمبادرات عززت من قيام صناعة خدمات هندسية متمكنة وقيام شركات مقاولات عملاقة على المستويين العربي والدولي.. فماذا فعلت الدولة لتحصل على ذلك.. لقد تم ذلك الأمر من خلال إسناد مشاريع التصميم الهندسي إلى مكاتب هندسية محلية رغم ندرتها وصغرها ومحدودية قدرتها مع اشتراط وجود شريك أجنبي.. وبعد سنوات تُرك للمكتب الهندسي الخيار
في تقديم شريك أجنبي من عدمه.. لكن اشْتُرط وجود خبرات بمواصفات عملية وعلمية محددة يتم استقطابها للعمل في ذلك المكتب الهندسي (بعد) توقيع العقد (وقبل) بدء المشروع.. فالعمل الاستشاري عمل عقلي في المقام الأول.. والاستشارات ذات الأحجام الكبيرة أو العملاء الكبار يجب أن تقدم من خلال تكوين فريق عمل متخصص لا يفكر إلا بالمشروع ولا يعمل إلا لذلك العميل.. هذا الأسلوب جعل تلك المكاتب الهندسية قادرة على استقطاب أعلى وأفضل الكفاءات الهندسية والمعمارية في العالم.
في المملكة اليوم هناك العشرات من الجهات التي تتجاوز ميزانياتها الإعلانية الخمسين مليون ريال.. وإنفاق بهذا الحجم لا يمكن لشركة محلية اليوم إدارته وخدمته.. لذلك تذهب تلك الميزانيات للشركات الأجنبية بخبراتها وتحالفاتها الدولية.. ولا يمكن لوم تلك الجهات في ذلك فهم يبحثون عن الكفاءة في الأداء.. وهو الذي لم يتحقق للشركات المحلية بعد رغم أن للتنمية أربعين سنة تقدمت فيها كل مكونات الاقتصاد السعودي إلا الإعلان!.
ماذا لو قررت بعض تلك الجهات تطبيق نفس تجربة بناء المكاتب الهندسية السعودية إبان السبعينيات.. وكلف كل منها وكالة إعلانية محلية بتكوين فريق مختص للتخطيط والإشراف على تنفيذ حملتهم لذلك العام.. مع اشتراط صفات مكونات فريق العمل.. أنا لا أشك أنها ستحصل على كفاءة أداء لا تقل عن كفاءة الأداء في الشركات الأجنبية وستسهم في بناء صناعة اقتصادية مهمة.