د. توفيق عبدالعزيز السويلم
الراصد لأداء الحكومة الإيرانية وعلاقتها بالمنطقة العربية يجد انها لديها تصور وبرنامج وخطة عمل للدخول والانتشار بالدول العربية من خلال فكرة تصدير الثورة ونشر الفكر الشيعي ليس حبا بالإسلام أو بالمبدأ الشيعي ولكنه وسيلة لاختراق المجتمعات العربية ومن خلال انتهاج آليات واساليب متعددة ومختلفة
انطلاقا من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومنها نشر البلبلة ونشر التفكك الاجتماعي والسياسي ومحاولة الاستحواذ على بعض الفعاليات الاقتصادية في بعض الدول العربية وبالذات الخليجية أو في دول شمال افريقيا.
كما تمارس ايران دورا عدوانيا واستفزازيا لبعض الدول العربية كانتهاجها للحرب الالكترونية والاختراقات لبعض الكيانات العربية وبث ونشر الفرقة لتضعيف الجبهة الداخلية للدول العربية وإمكانية استيلائها على بعض المرافق السياسية والاقتصادية، كما حدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن... وكما تحاول توسيع نشاطها الاستيطاني في دول الخليج وبعض دول شمال افريقيا. وقد قامت دار الخليج بتجميع وتحليل ما كتبه بعض الكتاب والمفكرين وما نشر في وسائل الاعلام عن هذا المشروع.
ولتحضير ايران مشروعها قامت بدراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع العربي وتعرفت على نقاط الخلل والضعف حيث ان معظم الدول العربية تفتقد لمتطلبات التنمية الوطنية كالخدمات العامة والإسكان وتوفر المرافق لمجتمعاتها، كما ان وسائل الاعلام العربية تشكو من حالة فقر دم وضعف الرؤية وضحالة الطرح وفقدان الهوية. وعلى هذه السلبيات وضعت ايران برنامجها لاختراق المجتمعات العربية من الداخل.
وقد درس الإيرانيون الواقع العربي وتبين لهم عدم وجود الرؤية للتنمية البشرية في المجتمعات العربية والتناحر داخل المجتمعات العربية والاقصائية والإقليمية والمناطقية وضيق الأفق عند بعض الشباب وتصنيف المجتمعات والتراشق بين المجتمع السني وضعف وسائل الاعلام في تكوين جيل له القدرة على العطاء، ويعطي ولا يأخذ ويستلم المعلومات ويفلترها، وتبين لهم ضعف ظاهرة الحب بين أعضاء المجتمع حيث إن ثلثي الامة العربية شباب والشباب يفتقدون لأبسط الحقوق في الحياة المدنية كتوفر الوظائف والسكن والرعاية الصحية والتربوية لذا فهم قنابل موقوته تُضلل من قبل القنوات الفضائية ووسائل الاعلام.
إن سياسة إيران تقوم على تنفيذ أهداف «مشروعها» الطائفي وتمكينه كما تحقق في لبنان والعراق واليمن وسوريا وبعض دول شمال أفريقيا لأغراض السيطرة السياسية، حيث أنشأت في سبيل ذلك المراكز التي تبث آراء وثقافة «المشروع الإيراني»، وتوزع الكتب والمجلات من أجل الترويج له وتمكين مبادئه، وتوسيع أركانه ونفوذه وشراء كثير من الذمم في المنطقة العربية لتحقيق ذلك.
إن ما يصبو إليه المشروع الإيراني في أكثر من قطر عربي، هو التفتيت الطائفي والاجتماعي، والاستحواذ على بعض الفعاليات والمشاركات الاقتصادية بالمشاركة مع بعض مواطني الدول العربية كما يحدث في بعض دول الخليج العربي.
وهذا المشروع سيساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إشغال المجتمعات العربية عن القضية الرئيسية وهي القضية الفلسطينية وعن مواجهة المشروع الصهيوني العالمي والانشغال بالتنازع الداخلي. وهذا ما أشار كثير من الكتاب والسياسيين وبعض المفكرين من إن إيران بمشروعها هذا يقع في خانة «العداوة»، لأنه مشروع مُعادٍ للأمة العربية.
إن المشروع الإيراني ونزعتة التوسعية الجغرافية في بعض الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن كأمثلة حية ماثلة للعيان لهذا المشروع والذي يهدف للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ودولها وشعوبها ومواردها وثرواتها وإخضاع الأكثرية فيها ودعم الأقليات فيها، وذلك لمحاولة فرض هيمنتها وسلطتها (حلم إعادة الإمبراطورية الفارسية) وربط مسارها ومستقبلها واستقرارها بهذا المشروع ونجاحه وبسط سلطته، من خلال جعل المنطقة تعيش في حالٍ من الفوضى والقلق والصراعات. من خلال تنفيذ خطة فارسية استخباراتية طويلة الأمد لبث الغوغائية بالدول العربية واستغلال الفكر الشيعي وهو ما يتماشي مع المشروع الغربي لعمل الفوضى الخلاقة بالدول العربية.
إيران لديها مشروعها السياسي مثلها مثل أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، فمشروعها خطره عظيم لأنه لايدركه أحد لانه ينخر الكيانات من الداخل مستغلا استقطاب الشباب في بعض بلدان المنطقة العربية وتجنيدهم للعمل لصالح مشروعها. وتقوم ببعض الاعمال الاستفزازية كعمل مناورات على حدود الخليج والاعمال المخابراتية وتجنيد الشباب وبعض قادة الحركات والمنظمات المريضة سياسيا لتقويتها للعمل لمصالح وخدمة المشروع الإيراني.
إن المشروع الإيراني في المنطقة العربية مشروع عبثي ظاهره اقتصادي وديني (يتماشي مع الفكر الصهيوني للتفرقة العربية) ولكن حقيقته وباطنه بث الفتن وزعزعة المنطقة العربية بحجة فكرة التوسع الشيعي، في حين إن الواقع عكس ذلك فهم يصرفون مليارات الدولارات على هذا البرنامج منتهجين أساليب استخباراتية وإعلامية وعدائية كالحرب الالكترونية والتضليل الإعلامي ونشر مشروعهم التربوي لطمس الهوية العربية، مستخدمة فيها كافة الوسائل وشتى الطرق لنشر وإقامة مشروعها في المنطقة العربية ضاغطة على خزينة الدولة في طهران في ظل غياب الهوية العربية والاستراتيجيات الإعلامية الواضحة عند بعض الدول العربية.
يشير كثير من الكتاب والمفكرين إلى أن ما يطمح إليه الايرانيون الآن ليس عداء الاسلام وازالته فهذا ليس من مصلحتهم بعد ان اعتنقوا الاسلام حيث ان هناك فرقا بين التشيع كمذهب إسلامي وبين الفكر الفارسي والمشروع العدائي للأمة العربية الذي يهدف إلى تحريف الاسلام والانتقام لمعركة القادسية وانتهاء امبراطوريتهم الى مزابل التاريخ.
تخوض إيران حرباً شرسة ضد توحد الدول العربية وتفكيكها، عبر وسائل إعلامية، متلفزة ومسموعة ومطبوعة وإلكترونية، ونشر الفكر الغوغائي والفوضي الخلاقة بين شعوب المنطقة وهي حرب تسخر لها طهران إمكانات مالية هائلة جداً، وتعبر من خلال بواباتها الإعلامية المنتشرة في العالم العربي أو الغرب إلى الجمهور العربي في محاولة لاستقطابه أو خلخلة مواقفه أو إثارة العداوات تجاه الأنظمة أو تجاة حكام المنطقة وتهييج الشعوب ضد قياداتها وانتهاج التراشق الإعلامي مستغلة بعض الأخطاء الإدارية او السياسية أو الاقتصادية في بعض الدول العربية لتحقيق اهدافها.
بدأت إيران منذ عام 2003 فعلياً مخططاً مختلفاً للسيطرة الإعلامية في العالم العربي، تجلى ذلك بوسائل مختلفة، وقد اشتد الصراع بعد الأزمة السورية، حيث سارعت إيران الى زيادة تسللها الى الإعلام العربي، والمراقب للفضائيات والإعلام المطبوع والإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي يجد تمدداً غير طبيعي للتدخل الإيراني في الشئون الداخلية وزعزعة أمن وتلويث أفكار كثير من افراد بعض الشعوب العربية من خلال هذه السيطرة الإعلامية. وتمتلك إيران إمبراطورية إعلامية هي الأكبر على مستوى المنطقة وواحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقة آسيا. وتسيطر وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIB) وهي مؤسسة حكومية تشرف على السياسات الإعلامية الخاصة بجميع المحطات التليفزيونية وإذاعات الراديو في البلاد.
يظهر الإعلام الإيراني عداوته لليهود والامريكان ويرفعونها شعارات في المظاهرات والأماكن العامة ولكن الواقع أنهم على اتصال مستمر وفي تحالف استخبارتي متواصل. ويمارس الإعلام والفكر الإيراني ازدواجية في المفاهيم فهم يدًعون شيئا ويمارسون شيئا أخر وهم يعترضون على عدم احقية التدخل في الشئون الداخلية كقضية الاحواز والبلوش ولكنهم يتدخلون في القضايا العربية ويشتمون الغرب ولكنهم على تفاهم وجلسات سرية مشتركة بينهم. ويشير كثير من الكتاب والباحثين إلى أن الدول العربية ليس لديها مشروع قوي لمواجهة المشروع الإيراني. إذ لابد من معالجة هذا البرنامج من كافة الدول العربية. لابد من وجود استراتيجية إعلامية وحملة توعوية لتهيئة الموارد البشرية لتكوين جيل يعطي ولا يأخذ ويقبل الفكر الآخر ولا يستلم أي معلومة بدون فلترة حيث ان نشر الحب بين افراد المجمتع من سلوكياتنا العربية والإسلامية. ولابد من التفاهم مع عقلاء الشيعة بحقيقة العدو الفارسي وضرورة ولائاتهم لدولهم. كما لابد من اشعار جميع افراد المجتمعات بقبول البعض وعدم إعطاء الفرصة للعدو الخارجي لاختراق الداخل.