د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
تنشأ الأسر والمجتمعات و تقوم الشعوب و الدول على ما لديها من مبادئ وما تستشعره من قيم وما تجعله لنفسها من قيمة!
وتنطلق قوتها وثباتها من مرتكزات حقيقة واقعية سامقة جديرة بأن تؤسس كياناً راسخاً ثابتاً.
إن أساس التنمية في المجتمعات العناية برأس المال البشري وذلك برعايته وتعهده بالعناية وحسن النشأة، حتى إذا شب واستقام عوده وإذا به منطلقاً نحو القيم العظيمة التي نشأ وترعرع عليها يعتز بتاريخه، يعيش حاضره ويبني مستقبله وفق رؤيا واضحة وأهداف سليمة وثوابت راسخة وعزيمة صادقة في أن يحقق ما يعانق به قمة المجد!
دول كثيرة في الشرق والغرب تعرضت لنكبات تاريخية كادت تمحوها من خارطة العالم ولكن بداية البناء من اللبنة الأولى أسهم في تأسيس مجتمع ثابت راسخ واضح المعالم واثق الخطى صادق العزيمة متمكن الانتماء ثابت الولاء.
إن العقيدة الراسخة التي تفخر المملكة العربية السعودية بأنها منهج الحكم فيها هي المنطلق الأول للقوة التي يراها العالم أجمعه؛ فالإسلام مصدر قوة لمن طبقه تطبيقاً صحيحاً على منهج الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
كما أن قيم الوفاء والأصالة والمروءة والعطاء والنماء والبناء كنز تعتز به البشرية التي تتسربلها.
إن لدينا إمكانات هائلة وطاقات قابلة للاستثمار يمكننا التعامل مع الحياة اليومية كأرض نزرع فيها قيمنا ومبادئنا، ولدينا مجالات واسعة، وبيئة خصبة وتطور مجتمعي ينتظر من المخلصين المبادرات المعطاءة التي تشكل بنية تحتية قوية.
شبابنا يعمرهم الخير وتحدوهم الفضيلة ويكتسون الأخلاق ويحبون الخير ولكنهم بحاجة ليد حانية تمتد لهم ليسيروا في الطريق السليم موجهة و مصححة ، وتبادرهم منذ نعومة أظفارهم و تمييزهم بمباركة أعمالهم وأنشطتهم و إيجابيتهم ولا تنتظرهم أن تتعبأ أذهانهم وتُستنقع أفكارهم فيحيدوا عن الصواب، وينحرفوا عن المسار لتنطلق إليهم لائمة ومعاتبة و موبخة ومعاقبة! لأن الخطأ الظاهر يستدعي الحزم و العزم ،ولكننا يمكننا حمايتهم من كل ذلك بالعناية بهم في مراحل حياتهم الأولى فالوقاية خير من العلاج. ودرهم وقاية خير من قنطار علاج!
إن كثيراً من مؤسسات الإعلام المغرض تعرض ما يقع فيه بعضهم من السلبيات على أنها بطولات وقدرة على تجاوز القيم الدينية و كسر الحواجز المجتمعية والوصول إلى أهداف غير مسبوقة.
أو يعتبر الشباب آفة تحتاج إلى مكافحة ومدافعة، وعقبة تستدعي حشد العدة والعتاد.
أو يهوّل السلبيات ويعممها على أن جميع الشباب يمكنهم أن يرتعوا في منزلقاتها فتراه يجمع المتناقضات ويبعثر المفاهيم إلى حدٍّ يجعل الحليم حيراناً!
مع أن الشباب من أجلّ نعم الله على البشرية، ونهضة الأمم ترتهن في أوج قوتها على الشباب.
إن آلاف المخترعات التي ابتكرها طلاب مدارسنا لا تزال قيد الأوراق وحبيسة الأدراج لم يبرزها الإعلام ليستمر أصحابها في الإبداع والابتكار ولم تحظَ من الشركات بالدعم والرعاية و الاعتماد. لتحفزهم للمزيد من التميّز والبذل والتفاني في الاستزادة العلمية والحضارية.
إننا في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ المجتمعات بحاجة ماسة إلى أن يتبنى إعلامنا قضايانا بروح العقيدة الصحيحة والمنهج الخلقي القويم والبناء المجتمعي السليم و المواطنة الصادقة والانتماء الحقيقي.
وأن تسعى مؤسسات المجتمع كافة الحكومية والخاصة إلى تحالف قيمي ينهض بالأفراد ويصعد بالمجتمعات ويقوم الأفكار ويبني الفكر ويوجه السلوك.
إن مجلس الشؤون الاقتصادية و التنمية وفق الرؤية الحكيمة في التحول الوطني جدير بأن يتبنى ذلك وفق الأهداف الراقية والبعد الطَموح الذي نشأ عليه ورئاسته الحكيمة التي ظهر تميزها في ظل ما يحظى به من لدن ولاة الأمر أدام الله عزهم وتوفيقهم.
فحريّ به أن يتقدم خطوات عملية واضحة وشاملة كما عهدناه في نهضة القيم المجتمعية والمقومات البشرية التي تعتني بالعلم والعمل واحترام الذات والقناعة الداعمة بأننا باستطاعتنا بإذن الله أن نحقق إنجازات لذواتنا وأسرنا ومجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا بما نحمله من مؤهلات وخصائص وما نملكه من مقومات وما ينتظرنا من إنجازات.
إننا على ثقة تامة بجدوى و فاعلية رعاية القيم والعناية ببذورها في أرضنا الخصبة التي كانت ولا زالت وستظل بعون الله منبتاً نقياً للأجيال التي أسهمت في بناء حضارة مملكتنا الغالية.
فإذا ما كانت القيم حاضرة وبقوة في نشأة الجيل وتعليمهم، ثقافتهم و مشاريعهم، منازلهم وشوارعهم، كتبهم ومدارسهم، مكتباتهم ومستشفياتهم وسائر ما يتعلق بحياتهم كان لهم في تاريخ وطنهم إسهاماً يُسطر في السجلات الخالدة يفوح شذاه عبر الأيام والسنين يتجذر في القلوب والأرواح فلا تؤثر فيه الرياح العاتية مهما كان مصدرها وقوتها.