يوسف المحيميد
كلما احتفل العالم برأس السنة الميلادية، ونقلت شاشات الفضاء لقطات لشعوب الأرض كلها، وهي تصيح مبتهجة وتعد الثواني تمهيدًا لدخول السنة الجديدة، تذكرت من يعد موتاه كل يوم، وكل شهر، وكل عام، ففي العام المنصرم عد السوريون موتاهم، ووجدوهم أكثر من 55 ألف نسمة، وتعمدت أن أكتب «نسمة» وليس قتيلاً، لأن الرقم يقترب من سكان مدينة صغيرة، هذا في عام واحد فقط، وما زالت السماء الدمشقية لا تمطر ياسمينًا، بل قنابل متنوعة وحديثة الصنع، غالبيتها من روسيا، ومن دوّل أوروبا المتقدمة، والمحافظة على حقوق الإنسان!
في اللحظة التي يبتهج فيها السياح في المدينة الكوزموبوليتية دبي، ويعدون الثواني قبيل انطلاق الألعاب النارية، هناك من يعد أقاربه الذين رحلوا في ثورات ما سمي بالربيع العربي، في سوريا وليبيا ومصر وتونس، وهناك من يعد الليالي والأيام المتبقية لمحكومية سجين ما زال يقبع خلف القضبان، وهناك من يعد نبضات قريبه المريض، طريح السرير الأبيض، ويقضي الليل وهو يعد قطرات الدم الهابطة عبر أنبوب المغذي إلى وريده!
في اللحظة التي يتجمهر فيها السياح في التايم سكوير بنيويورك، يبحثون عن متعة وسعادة باذخة مع عام جديد، يبحث 75 ألف متشردًا في نيويورك، عن زاوية دافئة بشارع عارٍ في برد كانون، وعن بقايا طعام، وعام لا يختلف عن غيره، إلا بمزيد من التشرد والشتات!
في اللحظة التي يحتفل فيها السياح تحت جسر البسفور في اسطنبول، يعدون الثواني قبيل لحظة الصفر للعام الجديد، هناك أمهات في عواصم عربية يعددن الليالي، مُذ غادر فلذات أكبادهن في رحلة خاسرة، مرور بالأراضي التركية، للانضمام إلى حرب مجانية بلا قيمة، ولا معنى، في سوريا والعراق، قبل الموت في لحظة طائفية لن يهملها تاريخ العرب، رغم أنه تاريخ مليء بالهزائم والنكسات!
في اللحظة التي يتكاثف فيها السياح حول برج إيفل، منتظرين لحظة عد الثواني المتبقية من العام الجاري، هناك من يعد خسائره وخيباته التي لا تنتهي، والتي يقوم بترحيلها من عام لآخر، بانتظار معجزة إلهية تهبط في عام جديد، لتقتص من خيباته، وتمنحه بعض الأمل!
في اللحظة تلك، هناك من ينعم بالدفء في ليل الرياض، يشرب كأس الشاي الساخن، يتنقل بين القنوات، ويتأمل الألعاب النارية في عواصم العالم، المختلفة بأعياد رأس السنة، قبل أن يتعثر في إحدى القنوات بتقرير يعدد المجازر والمذابح في العواصم العربية، العواصم الخربة، المهدمة.....
في اللحظة تلك، يقرر أن يقفل الشاشة الخادعة، ويزيح كأس الشاي الساخن عن شفتيه، ويكتب هذا المقال الذي تقرأه الآن عزيزي القارئ!
وهو تحت وطأة ذنب أن كدر خاطرك، وخلط رأس السنة بأقدامها، وأزعجك بحكايات القتلى والمرضى والمشردين، يتمنى لك سنة سعيدة، مزدانة بالتوفيق والنجاح!