يوسف المحيميد
هناك ثلاثة أسباب مهمة ومؤثرة تجعلنا نفكر بمستقبلنا الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، الأول هو أننا نستهلك البترول في الداخل بإسراف، ولم نتنبه للترشيد في استهلاك الطاقة إلا من بضع سنوات، والثاني تذبذب أسعار البترول، وانخفاضها الحاد كما الآن، مع ما يمثله البترول من أهمية قصوى في إيراداتنا، بما يزيد عن تسعين بالمائة، والثالث هو الثورة الصناعية الجديدة والتطور المذهل في عالم النفط، من حيث أدوات الحفر والاستخراج التي لا حدود لتطويرها وتحديثها، مما يعني أن ما كنا نسميه بترول المناطق عالية التكلفة، سيُصبِح بترولاً منخفض التكلفة، وسينافس غيره من البترول الإحفوري، وقد لا يبقى البترول كما الآن، سلعة استراتيجية نتميز بها عن باقي الدول، خاصة بعد قرار الحكومة الأمريكية رفع الحظر عن تصدير البترول الأمريكي للخارج، بعد أربعين عامًا من المنع، للحفاظ على الطاقة، واستخدامها داخل أمريكا، ذلك القرار الذي جاء بأغلبية ساحقة في الكونجرس، وفرحة عارمة صفّق معها الأعضاء طويلا!
هذا القرار الذي جاء بعد تطور التقنية المذهل والمتسارع في استخراج البترول، في أمريكا، يعني المزيد من الإنتاج بتكلفة أقل، وبالتالي القدرة على المزيد من الإنتاج، والتصدير إلى الخارج، والمنافسة على كعكة الطلب العالمي من البترول.
كذلك حين تصبح التقنية المستخدمة في الحفر واستخراج البترول متطورة جدًا، ويسهل الحصول عليها لانخفاض تكلفتها من قبل الدول غير المصنِّعة، والتي يتوفر فيها بترول غير إحفوري، فإن ذلك يعني المزيد من الإنتاج العالمي، وبالتالي ازدياد العرض، مما قد يؤثر على الأسعار سلبًا، خاصة إذا كان هذا التطور التقني المتسارع، وهذه الاكتشافات للبترول صعب الاستخراج، جعلت بعض المختصين يعتقدون أن المتوفر من البترول في العالم يكفي احتياجات البشر لقرون، وليس لمجرد عقود من السنوات!
علينا أن نفكِّر جيدًا خارج الصندوق، أن نفكر بتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن البترول ومشتقاته، وأن لا يشكّل البترول من دخلنا أكثر من سبعين بالمائة، على سبيل المثال، علينا أن نستثمر جيدًا في الإنسان، فنحن نتميز عن غيرنا من الدول المحيطة بعدد السكان المتنامي، وارتفاع نسبة الشباب فيه، بمعنى أننا نمتلك قوى شابة قادرة على العمل التقني المتطور، لتكون محور الإنتاج والخدمات في البلاد، بدلا من الاعتماد على الأجانب في كافة شؤون حياتنا، وحتى في الثروات الطبيعية كالبترول والغاز، تستطيع كثير من الدول والمجتمعات التحول من اقتصاد ربعي إلى اقتصاد إنتاجي، من اقتصاد هش إلى اقتصاد متين، وذلك بالتركيز على القيمة المُضافة، وإنتاج السلع الوسيطة والنهائية بدلا من الإنتاج والبيع للمواد الخام، هذا الأمر سينشط القطاع الخاص، ويحفز على إشراكه بقوة في تفعيل الاقتصاد، بدلا من الاعتماد على الإنفاق الحكومي في كل شؤون التنمية!
وللتحول إلى اقتصاد إنتاجي قوي، ومتنامي، علينا أن نربي أنفسنا، وأولادنا، على التخفف من الرفاهية الاجتماعية الزائدة عن الحاجة، وأن ننتقل من كوننا مجتمعًا استهلاكيّا كسولا إلى مجتمع إنتاجي نشط، كما شعوب الدول المتقدمة، علينا أن نسهم في دورة الإنتاج، وأن نمنح شبابنا الفرصة الكافية لفعل ذلك، ونسعى إلى إحلالهم بدلا من الأجانب، كي نصبح مجتمعًا طبيعيًا منتجًا، لا تؤثر فيه خطط دول كبرى، ولا يهتز لقرار برلمان، أو تصفيق كونجرس!