رقية الهويريني
تنهد الزميل الدكتور جاسر الحربش أسىً وحزنًا على حالة الانغلاق التي يفرضها المستفيد منها على المجتمع باسم الدين والشرع، وما يتولد من حالة الانغلاق من فرض الحصار وإغلاق الفرص أمام الأمم في الاستجابة للتحديات العلمية والصناعية والفكرية، وبالتالي استشراء التكلس والضمور أمام الحضارات المنفتحة على الفكر والمواهب العقلية.
ولعل ما يزيد الحالة بؤسًا هو اتخاذ وسيلة التحريض الاجتماعي للقضاء على الخصم التنويري بحجة التغريب تارة والهاوية المرتقبة تارة أخرى. وقد يطلق لفظ «رويبضة» على كل من يحاول تحريك المياه الآسنة وتنبيه المجتمع والسعي به للتغير نحو الأفضل. والرابض هو الشخص التافه الذي يتكلم بالشأن العام!!
العجيب أنه خلال العقدين الماضيين برز على الساحة الوعظية توافه ارتقوا المنابر وعاثوا في القنوات الفضائية تنظيرًا وفتاوى مستقاة من أحاديث ضعيفة أو موضوعة تخدم فئة معينة، تدغدغ عواطف الجماهير وتعظّم من قيمة الرجل عمومًا وليس الصالح، ويجد لها المريدون إعجابًا، بل ويدافع عن تجاوزاتهم التابعون بلا تفكير.
وأكاد أجزم أن هؤلاء لن يستمروا في كسب الجولة، لأن حكمة الله في خلقه إلا يدوم التغييب ولا الفهلوة كما مر على كل الشعوب الإغريقية التي كان القساوسة يلجؤون للسجن والحرق والقتل لدحر خصومهم، وها هي أوروبا تتنفس العلم والحضارة والتناغم الانسجام.
إن التحريض الاجتماعي والشحن النفسي ضد التنويريين سنة قائمة في الشعوب المتخلفة، بل إن بعض الناس يخشى من نقد الواعظ الماجن، أو التشكيك بالقاضي المزور، أو الوقوف بوجه الداعية المختلس، ويخاف من عقوبة تحل به أو ينال غضب الله ويتورع عن ذلك! ولكنه يسب ويشتم ويعتدي ويدخل في النوايا ويخوض في عرض التنويري ليتقرب بذلك ـ بزعمه ـ لله عزّ وجلّ دون الرجوع للآية العظيمة {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بعضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}. ثم يجهز عليه بالتهميش التام وإطلاق مصطلح «رويبضة» حتى ينفى عنه صفة الإنسانية لأن الرابض من فصيلة الحيوانات المجترة التي لا تثور ولا تملك عقلاً ولا فكرًا!
وكلما بدأ الرجل يُعمِل عقله ويرفض أن يسرح مع القطيع يحدث خوفًا وفزعًا وهلعًا لدى فئة تخشى على منابرها ومكانتها، فلا بد من قصفه وإعادته للقطيع ليمارس الثغاء! والطامة الكبرى، عندما تستخدم المرأة عقلها، فإن ذلك يعد خرقًا لا تقبله العقول المؤدلجة، وحينئذ ليس أسهل من القذف والطعن والتشهير بها لإجبارها على التواري عن الأنظار. وهي أسلحة يشهرها المكفِّرون الذين يفجُرون في الخصومة ويتمادون بالإقصاء!