سلمان بن محمد العُمري
الأعداء منهم من يكشف عن وجهه، ويعبر عن غاياته بصريح العبارة، ومنهم من يلمز ويغمز، ومنهم من يتستر ويتكتم، ومنهم من يدس الدسائس، ويخلق الفتن، ومنهم من هو في الخارج، ومنهم من جنى خير البلاد في الداخل، أو في بلاده يجمعهم غاية وهدف واحد، ألا وهو إخفاء نور الحق والحقيقة، وإبقاء الناس في غياهب الظلام، وكهوف الباطل.
لقد كال أعداء الأمة ضرباتهم لهذه الأمة سراً وعلناً، وعندما علموا أنّ ضرب الأمة ودينها بشكل مباشر يضر بمصالحهم، التفوا إلى طرق أخرى، فوجدوا ضالتهم بتوجيه السهام الخبيثة إلى رأس الإسلام ومنبعه وحصنه الحصين، فصاروا يكيلون التهم والأباطيل جزافاً على المملكة، تارة باسم حقوق الإنسان، وهم أبعد الناس عنها، وتارة باسم الحضارة، وهم قد صاروا أعداءها، وتارة باسم الحرية، وهم أول من كتم أنفاسها، وتحولوا إلى سجانين للبشرية كلها، وتارة باسم الديمقراطية، وهي ديمقراطية تكيل بمكيالين أو أكثر تقاس بمقياس الهوى، وتارة باسم التطور وهم قد لجموه لجماً، وتارة باسم معاداة التخلف وهم يسلكون سلوكيات العصور الوسطى القمعية.
هناك بالطبع حضارة في الغرب، ونحن أناس موضوعيون نعرف ذلك، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، ولكنها حضارة ناقصة منقوصة، ينقصها جانب الروح، وجانب الحياة الآخرة، وجانب الإنسانية، وجانب الحضارة السمحة، وكل ذلك موجود في الإسلام، ورغم جهل بعض أهل الإسلام، وتخلف بعضهم، وتهافت بعضهم على موائد الباطل، لكن يبقى الإسلام دين الحقيقة، والحضارة الحقيقية، والتسامح، والسلام، والوئام، يبقى ذلك الدين الذي رضيه الله لعباده، والله أعلم بمن خلق.
إن الهدف واضح، والحملات الشعواء واضحة العناوين والمضامين، والأمر بيِّن، والإسلام هو المستهدف، وهو القضية الكبرى التي يحتالون عليها لتحطيمها. قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
لقد تحوّلت وسائل الإعلام في الغرب إلى وسائل مسعورة في خدمة أهداف هؤلاء، وصارت تتحدث حديثاً معظمه يغط في بحر الكذب، وتفوح منه روائح الحقد الدفين، وتتعالى منه أصوات الكره والضغينة، فهل هذه هي الحضارة؟ وهل هذه هي التي يدعوننا إليها لنكون متطورين؟ هل الحقد تطور؟! وهل الكره حضارة؟ وهل الكذب إنسانية؟ وهل الظلم والاستبداد واغتصاب الحريات وإرادة ملايين البشر هل يعد من القيم الحضارية التي ينادى بها؟ لا والله، إنها غايات حاولوا إخفاءها ولكنهم لم يستطيعوا فظهرت منهم، لينفر منهم الناس جميعاً، وإلا فأين هم عن ظلم وبطش العدو الصهيوني والأنظمة القمعية بل وحتى ممّن يروّجون للكراهية والبغضاء في محفل جامعي.
إن الحقيقة الناصعة البياض البينة الجلية لن تخفى طويلاً، والخير ماض في طريقه، ولا بد أن ينتصر بإذن الله، وهاهي على الرغم من المحن والآلام جموع الغرب وبالآلاف تعلن إسلامها ونطقها بالشهادتين، كدليل حي على أن الحق لا بد أن يظهر، وأن تظل رايته عالية خفاقة. إن سلوك الفرد والجماعة الإسلامية الصحيح، من أهم عوامل النصر في معركة الخير والشر، وفي رد كيد الأعداء إلى نحورهم، إنهم لن يحترموك إن تخليت عن مبادئ الإسلام، وتعاليمه، وأخلاقه، ومثله، وتشريعاته، إنهم لن يثقوا بك ولو خرجت من جلدك، ولكنهم بالتأكيد سيحترمونك ويقدرونك لو تمسكت بدينك الحق الذي أرادك الله أن تكون عليه. وفي مثل هذه الأحداث، وأمام مثل هذه الهجمات الإعلامية الحاقدة، يتأكد الائتلاف والاجتماع ونبذ الفرقة، وطرح أسبابها، والتعاون على ما يفشل مخططهم في تمزيق وحدة المجتمع، وزرع بذور الفتنة فيه. قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]. إن لدينا من الإرث الحضاري والإنساني الكثير، ومن الخطأ أن نجد بعض الأبناء يفتقد معرفة ذلك، والجهد المضاعف مطلوب، والبذل والعطاء مطلوب، ولنعلم أننا لسنا وحدنا في معركة الخير والشر، معركة الحق والباطل، بل يقف معنا كل المخلصين من أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، فالمملكة ليست لأبنائها فحسب، بل هي للإسلام كل الإسلام، والمسلمين كل المسلمين، والعرب كل العرب، وإخواننا يعون هذه الحقائق جيداً، ويعملون أيامهم وفق هذه الحقائق الناصعة.
وإن على أبناء الأمة مسؤولية كبيرة في إثبات الوجود وعدم تصويرهم للأمور على غير حقيقتها، وبسيرهم في شعاب الباطل الذي يأتي من وراء البحار، وباتباعهم شهوات الأنفس والشياطين، ويبعدهم عن الصواب، وببدعهم التي ابتدعوها.
إننا نطالب أبناءنا الغيورين المتحمسين للإسلام ألا يتهوروا، وألا يعطوا العدو الفرصة للنيل من هذا الدين الحنيف، وتبرير الهجوم على الأمة، وإعادة التوترات بين دولها، مما لا يخدم الأمة، ولا يخدم الإسلام بخصوصه، وستكونون أنتم أول من يكتوي بنار ذلك، فالرفق الرفق، والصبر الصبر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أما الأعداء فإننا نؤكد لهم أن اللعبة قد صارت مكشوفة، ولا داعي للتواري والتستر، وليقولوا ما يشاؤون، ولتكن لديهم الجرأة للنقاش والحوار الحر الصريح، وليأتوا ببراهينهم إن استطاعوا.
إننا وكأي بلد قد يكون لدينا بعض الأخطاء والاجتهاد بين الأفراد، ولكننا من المحال أن نكون ممن يصر على الخطأ، والخطأ لدينا استثناء، وتصحيحه هو القاعدة، وأساس عملنا أو تصحيحنا لعملنا هو الإسلام والإسلام وحده، فشرع الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسعينا هو لسعادة الإنسان في كل أرجاء المعمورة.
لم يكن يوماً همنا الاعتداء -لا سمح الله- أو البغي في الأرض، لقد كنا، ومازلنا وسنبقى، دعاة السلام والوئام وحضارة الإنسان، وتحقيق إنسانيته قبل كل شيء، والذين يغيظهم الأمر كادوا وسيكيدون لنا، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.