المربي محمد بن عبدالعزيز بن مانع أسهم بمرحلة البناء الأولى للدولة من خلال توليه رئاسة مؤسسات (ناشئة) ">
شخصية سعودية ولد في عنيزة عام 1300هـ -1883م أسهم في البنية الإدارية من لوائح وأنظمة وكوادر بشرية لهيئة تمييز الأحكام وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والإرشاد وكذلك التعليم في عهد الملك عبدالعزيزفهو عالم دين جليل ولغوي ضالع ومربي فاضل ومثقف وكاتب صحفي، تلقى علمه وثقافته الأولى من المعرفة الأصيلة فنهل في مستهل شبابه من العلوم الشرعية، وفنون اللغة العربية فضلاً عن الحساب والمنطق، قضى زهرة شبابه في الرحلات لطلب العلم في بغداد والبصرة ودمشق ومصر ولكن أول رحلة علمية له كانت داخلية حيث سافر من عنيزة إلى بريدة وعمره لم يتجاوز الخامسة عشرة ، فالشيخ المربي محمد بن عبدالعزيز بن مانع ـ رحمه الله ـ تشف شخصيته ومواقفه وأعماله عن رجل وطني أسهم في مرحلة البناء الأولى للمملكة العربية السعودية، ولم يقتصر عطاؤه على وطنه الأصلي بل تجاوز إلى تطوير القضاء والتعليم في البحرين وقطر وسلطنة عمان وهذا ما ستكشف تفاصيله الندوة العلمية التي تنظمها دارة الملك عبدالعزيز في عنيزة عن المربي محمد بن مانع اليوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الأول الجاري .
بعد ولادة الشيخ محمد بن مانع ووصوله سن طلب العلم عهد به والده إلى الكتاتيب ليحفظ القرآن الكريم بالتجويد، وكان والده قاضياً لعنيزة وإمام جامعها الكبير، وبعد وفاة والده وحينها كان عمره سبع سنوات ، قرأ أصول الدين على عمه الشيخ عبدالله بن مانع ، وقرأ الأصول والفروع والحديث والتفسير والمصطلح على الشيخ صالح بن عثمان القاضي، وبعد أن وصل سن البلوغ طلبت منه أمه نورة بنت رشيد بن ناصر الشبيلي أن يسافر إلى بريدة للدراسة على تلميذ جدّه وشيخ أبيه الشيخ محمد بن عبدالله بن سليم ـ رحمهم الله ـ، فرحل معه عمه عبدالله بهدف إبعاده عن بيئة الشعراء النبطيين حيث كان مهتماً بالشعر النبطي، بعد ذلك بسنوات بدأ رحلاته العلمية إلى الخارج لطلب العلم في العقيدة والحديث والفقه وعلم التفسير واللغة العربية والحساب والمنطق، فسافر إلى بغداد ومصر ودمشق، وتميز طيلة فترة تعلمه بذاكرة قوية وذكاء مفرط وقوة للبديهة وحضوراً للشخصية.
استدعاه مواطنه مقبل الذكير عام 1331هـ -1921م الذي كان يقيم في البحرين بغرض التجارة ليتسلم النادي الأدبي الإسلامي في البحرين لمقاومة حركة التنصير التي يقودها القس زويمر على أطراف منطقة الخليج العربي ، لما رأى في الشيخ ابن مانع من الحرص على الذود عن حياض الإسلام وغزارة علمه وتنوع مصادر ثقافته، فرأس النادي أربع سنوات عمل خلالها في التدريس، وخلالها كتب لمجلة المنار المصرية تحت اسم مستعار هو (سائح ناصح) وكان يرأس تحريرها الأستاذ رشيد رضا الذي رد على الشيخ ابن مانع في العدد نفسه ، وكان المقال يستعرض الدوائر التنصيرية التي تتربص بالمجتمعات الخليجية بدءاً من البحرين وسجل فيه تحذيرات من الخطر المحدق وما يجب حياله ، بعدها استدعاه الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني حاكم قطر فتولى القضاء والتدريس والخطابة في جامعها بالدوحة وأمضى هناك ربع قرن وكان يأتيه في مسجده عدد من طلاب العلم من كل حدب وصوب للدراسة وطلب العلم عليه ، وعمل في قطرعلى إنشاء المدرسة الأثرية بإسهام من بعض أعيان البلاد ومساعدتهم .
بعد ذلك عاد الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع إلى وطنه المملكة العربية السعودية حيث استدعاه الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ عام 1358هـ -1936م، فعينه مدرساً في المسجد الحرام ومدرساً في إحدى المدارس الحكومية في مكة المكرمة،ثم عينه ـ رحمه الله ـ رئيساً لهيئة تمييز الأحكام ولهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت قد تأسست قبل أربع سنوات فقط ، ومشرفاً للوعظ والإرشاد في آن واحد فقام بهذه الوظائف خير قيام ونجح في القيام بمسؤولياته ، ما دعا الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ إلى تسليمه حقيبة التعليم العام عام 1365هـ-1945م فعينه مديراً عاماً لمديرية المعارف خلفاً للأستاذ طاهر الدباغ ليكون بذلك ثامن مدير لها منذ إنشائها في عام 1344هـ -1925م،كما أسند إليه رئاسة مدرسة دار التوحيد في الطائف التي لم يمض على تأسيسها سوى عامان فقط ، وفي عهده اهتم الشيخ محمد ابن مانع ـ رحمه الله ـ بمدرسة تحضير البعثات التي مضى على تأسيسها فقط ثلاث سنوات ، فكثرت البعثات العلمية إلى مصر وبيروت، وجلب من مصر المعلمين الأفاضل للإسهام في نهوض التعليم،ما يعني أنه كان شخصية منفتحة على العالم وخططه في التعليم تستوعب تجربة الآخر ،كما زاد عدد المدارس الابتدائية، وافتتحت عدد من المدارس الثانوية في أنحاء المملكة، وذكر تقرير عن مديرية المعارف نشرته مجلة المنهل في عدد صفر من عام 1373هـ -أكتوبر ـ نوفمبر من عام 1953م أنه كان للمعارف مجلساً أعلى يترأسه الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع مهمته وضع الخطط الرئيسة للتعليم وابتكار النظم والمشروعات التعليمية ووضع الميزانية اللازمة لتنفيذ هذه المشروعات ، كما تأسست في عهد مدير المعارف ابن مانع النواة الأولى للتعليم العالي بفتح كل من كلية الشريعة عام 1369هـ - 1949م وكلية المعلمين عام 1372هـ-1952م في مكة المكرمة، وإنشاء معهد الرياض العلمي عام 1370هـ- 1950م ، كما أنشئت أول مكتبة عامة في العاصمة الرياض في عهد تسنمه مديرية المعارف وكان ذلك عام 1363هـ-1943م ، كما شارك في رئاسة وفد المملكة إلى المؤتمرات والندوات التي تقيمها جامعة الدول العربية في مجال التعليم، وألّف في تلك الفترة عدداً من المقررات الدراسية خصوصاً في الدين والتاريخ كما شارك وأشرف على بعضها، ولاطلاعه على أحوال المجتمعات العربية وأنظمتها في إدارة الخدمات الحكومية المقدمة في الدول التي زارها خلال رحلاته العلمية فد أسهم ذلك في تقديم عصارة تجربته ومعرفته في خدمة الدوائر التي تسلمها وتطويرها.
ظل المربي الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع مديراً عاماً لمديرية المعارف حتى عام 1373هـ-1953م حين تحولت المديرية إلى وزارة وعين عليها الأمير فهد بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز) بمرسوم ملكي من الملك سعود بن عبدالعزيز ـ رحمهما الله ـ ، فكان المربي ابن مانع آخر مدير لمديرية المعارف ، لكنه ظل مساعداً لسمو وزير المعارف حتى العام 1377هـ-1957م ، وبعدها عاد الشيخ إلى قطر وعاش هناك مستشاراً لأميرها علي بن عبدالله آل ثاني فتولى عدد من المهام في التعليم والقضاء وكان أبرزها المستشار للشؤون الدينية.
ظل يسهم بخبراته وعلمه في البناء التنموي في قطر حتى أصيب بمرض عضال نقل على إثره إلى بيروت للعلاج إذ توفي هناك عام 1385 هـ -1965م، ولما كان محبوباً لدى المجتمع القطري أصر أمير قطر على دفنه في الدوحة ، وقد صليت عليه صلاة الغائب في الحرمين الشريفين.