محمد سليمان العنقري
تهدف وزارة الإسكان للوصول لنسب تملك للمساكن تصل إلى 75 في المائة ضمن خطتها القادمة التي يفترض أن تنتهي في عام 2020 م وبقدر ما يعد ذلك تحديًا كبيرًا إلا أنه نظريًا يمكن أن تتحقق هذه النسبة نظرًا لتوفر الموارد والإمكانات لكن من الناحية العملية فكل التجارب السابقة لم تعط النتائج المستهدفة حتى وإن اختلفت معايير السوق العقارية وكذلك حجم الدعم والتنظيم حاليًا عن السابق لأن هناك عوامل جوهرية بالسوق تحكم توجهات المطورين قد لا تسهم بتحقيق الأهداف المرصودة.
وفي الخطة التنموية العاشرة رشح عنها استهداف بناء 1.250 مليون وحدة سكنية سيكون على عاتق القطاع الخاص بناء أكثر من 700 ألف وحدة تقريبًا أي بمعدل يفوق 140 ألف وحدة بالسنة وبالمحصلة فالنية تتجه لبناء 250 ألف وحدة سنويًا من القطاعين العام والخاص وهذا الرقم يعادل قرابة 20 بالمائة مما تم بناؤه طوال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية لكن هل يستطيع القطاع الخاص فعلاً توفير هذا العدد من الوحدات؟
وإذا ما نظرنا إلى عوامل السوق العقارية التي تعيش حالة ركود أدت لتراجع أحجام الصفقات وقيمها بنسب تراوحت بين 20 إلى 30 في المائة مع انخفاض بالأسعار لا باس به إلا أن الاحصاءات التي أشارت إلى وجود 970 ألف وحدة شاغرة تضع علامة استفهام كبرى حول حقيقة العرض بالسوق ولماذا تحجب هذه الوحدات أو على الأقل 30 إلى 40 في المائة منها إذا اعتقدنا أن منها شقق مفروشة أو تلك المعدة للايجار فقط وهل من الضروري اتخاذ (إجراءات تمنع حجب هذه الوحدات عن السوق) فهل سيكون توفير جزء من الوحدات التي يقع على القطاع الخاص توفيرها هي موجودة أصلاً وسيكون هناك مرحلة تدخل بها السوق من خلال برامج التمويل التي يتبعها الآن الصندوق العقاري أم أن ما خطط له سيكون بناء وحدات جديدة كليًا وبهذه الحالة فإن عدد الوحدات التي ستتوفر بنهاية الخطة سيحقق حوالي 2.2 مليون وحدة سكنية مع الشاغرة حاليًا!
لكن بالعودة لإمكانية أن يحقق القطاع الخاص الرقم المطلوب منه فإن العوامل الأساسية لا تشير لإمكانية ذلك فلا يعرف إلى الآن ما هي المحفزات التي ستطلقها وزارة الإسكان لتمكين قطاع التطوير من لعب دور رئيس بالسوق العقارية فالتمويل يعتبر تحديًا كبيرًا أمام القطاع ولا بد من وضع نظم ومنتجات تساعد على تحريك عجلة التطوير بعيدًا عن المبادرات الخجولة التي يطلقها الصندوق العقاري لأنها غير كافية ولا بد أن تأخذ اتجاهًا واضحًا ومنظمًا فبدلاً من الوعود بتمويلات تصل إلى 100 مليون ريال أعلن عنها مؤخرًا أو التغيير الذي أقر قبل فترة برفع تمويل الأفراد المطورين من 15 مليون إلى حوالي 30 مليون وللمؤسسات الصغيرة من 30 إلى 50 مليونًا بالرغم من أنه لم يمض على إقرار هذا الإجراء سوى أشهر مما يدل أنه لم يدرس بشكل كافٍ فإن الاتجاه الصحيح هو وضع رأس مال مخصص لتمويل المطورين «لا يؤثر على المرصود لتمويل الأفراد» وان يتم توزيعه كحصص على حسب احتياج كل منطقة ويتم إعلان تلك الأرقام مع وضع طرق حديثة لآليات التمويل والشراكة والمواصفات للوحدات المزمع بناؤها إضافة إلى تطوير منتجات تمويلية من البنوك تكون بالشراكة مع الصندوق أو منفصلة لكنها لا تؤدي إلى ارتفاع بتكاليف التمويل بالمحصلة فالهدف كما تقول وزارة الإسكان توفير السكن الميسر أي بمنتجات وأسعار تناسب كل الشرائح حسب دخلها واحتياجاتها.
فمن الواضح أنه بعد إقرار نظام الرسوم الذي يعد الخطوة الأولى الرئيسة لمعالجة شح العرض بالأراضي ستبدأ مرحلة الوصول للمنتج النهائي أي الوحدة السكنية فكل الدلائل لا تشير إلى رؤية واضحة لقطاع الإسكان وإن كانت وزارة الإسكان تقول إنها ستعلن عن رؤيتها وخطتها الإستراتيجية قريبًا.
لكن هل القطاع المالي جاهز لدعم نمو السوق العقارية والمساندة بتوفير الوحدات عبر منتجات ومقدرة على التمويل منظمة وتساعد بتحقيق الأهداف المأمولة فالقطاع المالي المتمثل بالبنوك بدرجة أولى كلاعب رئيس بالتمويل لكافة القطاعات تبلغ حجم الودائع فيه 1702 مليار ريال وحجم القروض 1336 مليار ريال أي بنسبة 78 في المائة من حجم الودائع ومع تباطؤ نمو السيولة بالقطاع المصرفي المتوقعة قياسًا بما كان يحدث قبل سنوات قليلة في فترة ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل سيضعف معها وتيرة نمو الإقراض التزامًا بمعايير بازل 3 وكذلك اشتراطات مؤسسة النقد أن يكون الإقراض بحدود 85 في المائة من حجم الودائع وبما أن 64 في المائة من الودائع هي تحت الطلب فإن القروض متوسطة وطويلة الأجل ستكون أقل لمواجهة الالتزامات للبنوك مع عملائها أصحاب تلك الحسابات الجارية وكل ذلك يضع عقبات أمام التوسع بالتمويل للمطورين ولذلك لا بد من الالتفات لواقع مستقبل التمويل بالقطاع العقاري وإيجاد حلول خاصة له سواء بالمنتجات أو أن يكون هناك سبل لزيادة السيولة بالبنوك وهي إجراءات حكومية بحتة وكذلك تنشيط شركة إعادة التمويل التي أعلن عنها ويملكها صندوق الاستثمارات العامة وكذلك السماح بتأسيس بنوك إسكان خاصة وليس شركات تمويل محدودة الحجم قياسًا بضخامة السوق.
والسؤال الآخر: هل قطاع المقاولات بوضع يسمح بتغطية الطلب على البناء والأهم هل الجهات الحكومية كالأمانات والبلديات قد أعادت النظر بآليات اعتماد المخططات ورخص البناء ولديها كوادر قادرة على الترخيص والمتابعة لهذا الكم الهائل من الوحدات المطلوب بناؤها؟ هذه الأسئلة جوهرية وأساسية في معادلة توفير السكن الميسر يضاف لها مواد البناء والتسهيلات المطلوبة للسوق كي يتحرك بالاتجاه الصحيح إضافة إلى الدور الكبير المطلوب لضبط التكاليف بكل المناطق وقبل كل ذلك هل ستصل الخدمات من كهرباء ومياه وباقي الخدمات لكل الوحدات السكنية دون عوائق أو اشتراطات مبالغ فيها؟
المرحلة القادمة ستحمل معها الإجابات عن إمكانية توفير هذه الإعداد الضخمة من الوحدات السكنية وزيادة عرض الأراضي ستعني فقط خفض أسعارها أما الانتقال لتوفير الوحدة السكنية فهي المرحلة الأهم حاليًا التي سيتضح معها التنظيم والتشريع الحالي والقادم بقدرته على زيادة عرض الوحدات السكنية التي بالنهاية ما يهم كل أسرة إِذ لا يمكن أن تضع وزارة الإسكان رؤية متكاملة إذا لم تقم بقية الجهات بالقطاع العام والخاص بتغيير ينسجم مع رؤية الإسكان وإلا ستبقى مجرد أرقام مستهدفة لا يتحقق منها إلا نسب بسيطة لا تصل إلى حل حقيقي لملف الإسكان ولا تحول التطوير العقاري لصناعة مستدامة ترفد الاقتصاد الوطني بنتائج إيجابية كبيرة.