د.موسى بن عيسى العويس
من الصعب جداً أن يفسر أيّ تحول في العلاقات الدولية على أنه تحول عدائي بين ثقافات أو أيدلوجيات بين مجتمع وآخر، فالعلاقات حتى على مستوى المجتمع المتجانس فكرياً وثقافياً ودينياً لاتبنى علاقته على هذا الأساس فحسب، بل لابد من نضع للمصالح الشخصية، والعلاقات التجارية والاقتصادية اعتباراً كبيراً في أي ميزان العلاقات الدولية، بعيداً عن المثاليات التي تطرح.. ولغة المصانعة والمجاملة إذا وصلت حد المبالغة والإفراط تنتهي يوماً من الأيام.
- من المعروف أن علاقة (دول الخليج) بالذات مع دول العالم الأول مبنية في الأساس على التجارة، وتبادل المصالح الاقتصادية، والرجوع إلى الاتفاقيات والوثائق الرسمية القديمة يكشف لك هذا المنحى، أما ما عداها من علائق ووشائج قد تكون فردية، وقد تكون نتيجة حتمية لأي تقارب أو اتصال بين البشر في أي قطر، وفي أي مجتمع.
- منذ أن سقط الاتحاد السوفيتي، وما تلا ذلك من أحداث تمثلت في الغزو العراقي للكويت عام 1990م، والتدخل الدولي في شئون العراق خاصة، ودول الشرق الأوسط بشكل عام. إزاء هاذين الحدثين طبيعي أن يكون هناك تغيرات تدريجية في التحالفات والولاءات بين القطبين الكبيرين، وبدأت كثير من الدول منذ ذلك التاريخ تبحث بشكل جاد عما يسمى بـ(الطاقة البديلة) عن البترول (الذهب الأسود) وحتى الدول الغنية بالنفط والمنتجة عملت على ذلك، وعقدت لذلك العديد من المؤتمرات والملتقيات العلمية، وشرعت الدول في إجراء الأبحاث والدراسات المتعمقة عن الجدوى الاقتصادية لبدائل النفط، وتقييمها ومقارنتها على المدى القريب والبعيد، ومن الطبيعي أن يكون هناك تفاوت كبير بين دول العالم في جديّة الطرح والحلول العملية، وكان النفط الصخري، والغاز، والطاقة المائية والكهربائية، والطاقة الشمسية، وأساليب استغلال هذه الموارد وتصديرها محل الاهتمام، وبالفعل وخلال العقدين الماضيين بدأ اعتماد كثير من الدول الصناعية على الطاقة البديل بنسبة كبيرة، وتراجع الاعتماد على (الذهب الأسود) في مجالات التنمية.
- هذا التحول، سواء في أمريكا، أو غيرها من دول العالم الأول، ودول العالم الثاني الواعدة جعل هذه الدول تنكفئ نسبياً على نفسها، وتعتمد على هذه المصادر البديلة بنسبة كبيرة، وقد أسهم في ذلك الانفجار العلمي والمعرفي غير المسبوق في التاريخ، وبدأ هذا التغير يؤثر على مدى الحاجة إلى بعض الدول التي كانت في خلال ثمانية عقود أو أكثر محور ارتكاز لاقتصاد العالم.
- أمام هذا التحول فإنه من الخطأ البين تفسير أي فتور في العلاقات، أو تغير المواقف أمام الأحداث لأي دولة على أنه نتيجة تصادم الثقافات، أو الأديان بين مجتمع وآخر، لأن هذا الاعتقاد وحده يقود إلى المزيد من التوتر والشحن العاطفي، والبغضاء والكراهية بين البشر، وهو ما لا يمكن قبوله في هذا العصر الذي نزعم أن القيم الإنسانية المشتركة بين البشر هي ما يجب تعزيزه وتنميته، لتجذير العلاقات بين شعوب دول العالم كافة. ومن هنا فإن الاستقراء الناقص للواقع ومتغيراته، والسطحية في التفكير أحياناً هو ما يقود بعض المجتمعات والشعوب بالتفكير السلبي أمام الأحداث، هذا التفكير هو ما يؤجج الخلافات، ويقلل من فرص التفاهم والتقارب والمصالحة بين دول العالم وشعوبها، لكي تنعم بالأمن والاستقرار، والرخاء والطمأنينة في حياتها.