السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يعرض عبر صفحاتك الكثير من الآمال والآلام في كتابات مدنية أو عسكرية عن واقع المتقاعد العسكري وخاصة في رتب الجنود وصف الضابط، وحتى في رتب الضباط الاولى، وأصبح حديث المجالس والمنتديات والقنوات المسموعة والمرئية ومجاميع التواصل الاجتماعي عن تقاعد العسكرين في وقت مبكر، والذي يصلون إليه أحياناً بقوة النظام وأعمارهم لم تتجاوز ال 44 سنة، وهم قد بلغوا اشدهم وهم في قمة عطائهم وحيويتهم ولكن مادام ذلك هو النظام فليس لنا سوى احترامه والانتظار حتى يخرج نظام التقاعد الذي طال انتظاره وسداد مبلغ 51 مليار ريال لدى وزارة المالية وأعلن عنها مجلس الشورى في اكثر من جلسة بغية معرفة طريقة تراكمها واسلوب سدادها لكي تمنح اطمئنان اكثر للمتقاعد المدني والعسكري الذي يخيفه الحديث الدائم عن افلاس الصندوقين (المدني والسكري) في مدة لا تتجاوز 7 سنوات مالم تجدول حقوق الصندوق وكذلك معالجة ما انتهت اليه اللجنة المعنية بالمجلس من ملاحظات على طريقة الاستثمار والعوائد.
وحتى يتم ذلك فلابد من البحث عن سبل اخرى تخدم المتقاعد العسكري بعد تدني راتبه، وان كان التفكير في بدائل تعالج هذا الفارق لم تغب عن المسؤولين في قطاعاتنا العسكرية المختلفة ولكن من باب المشاركة والتذكير لان المتقاعد العسكري سواء من بلغ العمر النظامي أو تقاعد مبكراً أو تقاعد بسبب عدم وجود مرتبة يترقى عليها فانه يعاني من الفارق بين راتبه التعاقدي والتقاعدي الذي يحتسب على اساس سنوات الخدمة والراتب الاساسي فقط في حين ان العلاوات والبدلات لا تحسب في تقاعده وهي التي تصل الى 75% من الراتب، والقطاعات العسكرية جميعها تسعى الى وجود مخارج نظامية أو تعاقدات خارجيه تساند بها المتقاعد وتردم بها الهوة الكبيرة في الفارق الذي دون شك يمس المتقاعد واسرتك وحتى معيشته ويتغير معها اسلوب حياته وعلاقاته الاجتماعية وقد يصل به الامر لاعتزال الناس أو الابتعاد عنهم عنوة لأنه لم يعد بالقدرة المالية التي تجعله يتواكب وظروفه الاجتماعية ومتطلباته الاسرية الاساسية وليست الكمالية.
ولعل وزارة الداخلية مشكورة عملت على اطلاق مبادرتين الاولى في عام 2005 ميلادي تتيح امكانية التعاقد مع العسكري المتقاعد وانخراطه في سلك الادارة العامة للمجاهدين كأحد افرادها العاملين وجواز الربط بين الراتب التقاعدي والتعاقدي ولكن هذه المبادرة حددت بمدد ليست طويله وكذلك لم تستوعب الاعداد المأمولة بسبب طاقة الجهاز وعدم حاجته لإضافة كوادر له، والمبادرة الثانية عبر التعاقد مع المتقاعدين لتقوية اجهزة الدوريات والنجدة وهذا وان كان مفيداً الا ان فائدة لم تستوعب الاعداد المأمولة بالرغم من الحاجة الى المزيد من الافراد والدويات لحفظ الامن الداخلي وان كنا نشكر الله باستمرار عليها فالأمن في الاوطان نعمة تستحق الشكر والحمد منا لله سبحانه وتعالى وللقائمين على ذلك.
وجاء في مقترح لمجلس الشورى أن منسوبي القطاعات العسكرية يتقاعدون في سن مبكرة وهم مؤهلون في تخصصات علمية وفنية ومستعدون للتضحية في خدمة الوطن، ويجب الاستفادة من هذه الكوادر الوطنية المؤهلة في خدمة وطنية محددة في وقت محدد أو أداء مهمة معينة بما يضمن سرعة وكفاءة الاستجابة، ويمكن بذلك ان نتلافى عدد من السلبيات في الأنظمة الأخرى والنفقات الباهظة على التدريب والتأهيل، مع طول فترة الجاهزية وعدم وجود وظائف عسكرية دائمة، وهذا يؤكد ان الحاجة للمتقاعد العسكري القادر على استمرار العطاء موجوده وتقدرها جميع الاجهزة وتطالب بها جميع الآراء فهو ابن بار بالوطن الذي يتطلع لاستمرار خدمته لقدرته الجسمية والعقلية ويحقق نفع نفسه واسرته.
وكأحد السبل التي نستطيع ان نحتوي العسكري المتقاعد فيها كي نستفيد من خبرته ونشاطه وحسه الامني ولتحسين دخله ومعيشته مع قرب تسليم النظام المروري (ساهر) الى وزارة الداخلية بعد ان انتهى العقد الاستثماري له، والتعاقد معه لزيادة الانضباط والالتزام بتعليمات السلامة المرورية لأننا نفقد كل عام اكثر من 7000 مواطن جراء الحوادث المرورية غير اضعاف هذا العدد من الاصابات والاعاقات ناهيك عن التلفيات المادية والخسائر المالية الرسمية والخاصة، والمصادر تؤكد انخفاض ذلك بعد تطبيق نظام ساهر، ومع ذلك لا يزال قطع الاشارة والوقف المزدوج والسرعة الجنونية ومخالفة السير وغيرها من المخالفات الجسام التي تشاهد لا نقول بالدقيقة ولكن بأجزاء الثانية ولعل التعاقد مع المتقاعد العسكري اصبح مع تسليم النظام ضرورة ملحة خاصة وانه نظام يدر دخلاً يمكن ان يستثمر جزء منه في صرف المكافآت للعسكرين المتعاقد معهم ليكونوا عيوناً ساهرة على سلامة المواطنين وهو الامر الذي يوصي به ولاة الامر.
والحال كذلك ينطبق على القطاعات العسكرية الاخرى في وزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني لان العسكري فيها يمر بنفس الظروف وتنطبق عليه نفس ضوابط وتعليمات التقاعد ولعل المجلس العسكري الموقر ينطلق بحزم علاجية لتلك الفوارق خاصة وان الحاجة للخبرة مع الفترة القادمة ضرورة عسكرية ملحة مع قوات التحالف الخليجي وكذلك قوات التحالف الاسلامي التي فرحنا بتشكيلها بها أشد فرح، ولعل اعادة التفكير في الاستفادة من المتقاعد العسكري النشط يأتي من باب قول الله سبحانه وتعالى {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال (60) والانفاق فيه مخلوف.
ختاماً، كيف للقطاعات العسكرية كافة ان ترتب الامر نظاماً لخدمة متقاعديها وتتواصل مع الجهات المعنية بهذا الملف لتصبح العلاوات والبدلات جزء من الراتب التقاعدي وحسب المدد التي يصرف فيها البدل للعسكري، وان كان ذلك لا يتجاوز بعد الموافقة برنامجاً حاسوبياً يقبل احتساب البدل سواء استمر أو انقطع ليضاف في الراتب التقاعدي خاصة وان جزءاً منه سيخصم مباشرة من الراتب، والدولة أعزها الله ستتحمل النصف الآخر من النسبة المقتطعة، ولعل هذا الأمر يطرح للنقاش في مجلس المؤسسة العامة للتقاعد بعضوية معالي أمين عام مجلس الخدمة العسكرية ووجود من يمثل العسكرين المتقاعدين لنخرج بفائدة يجنيها العسكري المتقاعد الذي أصبح التقاعد شبحاً مخيفاً عنده وعند افراد اسرته جميعاً.
فهد بن أحمد الصالح - عضو الجمعية الوطنية للمتقاعدين - فرع الرياض